قوله تعالى: { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } قال ابن عباس: يريد: النفخة الأولى. { فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } وذلك حين يصعقون ويموتون لشدة الخوف، { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } وهم الشهداء، في قول ابن عباس وأبي هريرة وأكثر المفسرين. وقال مقاتل: هم جبريل، وميكال، [وإسرافيل]، وملك الموت. وقال الضحاك وأبو إسحاق بن شاقلا: هم الذين خُلقوا للبقاء، [كالحور] العين، وخَزَنة النار، وحَمَلَة العرش. { وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } أصلها: آتِيُونَه، فاعِلُونه، فلما انضمت الياء وقبلها كسرة استُثْقِل ذلك فيها، فألقيت حركة الياء على التاء وحذفت كسرة التاء، فاجتمع ساكنان: الياء والواو، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، وكانت أولى بالحذف؛ لأن الواو تدل على الجمع، وحذفت النون للإضافة، والهاء في موضع خفض لإضافة اسم الفاعل إليها. [والمعنى]: وكلٌ يأتون الله تعالى يحضرون الموقف. وقرأ حمزة وحفص عن عاصم: " أَتَوْهُ " بالقَصْر وفتح التاء، جعلاه فعلاً ماضياً. { دَاخِرِينَ }: صاغرين ذليلين. قوله تعالى: { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } أي: واقفة. قال ابن قتيبة: هذا يكون إذا نُفِخ في الصُّور، تُجْمَعُ الجبال وتُسَيَّر، فهي لكثرتها تُحْسَبُ جامدة. { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } أي: تسير سَيْرَ السحاب، وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد، كالجيش العظيم إذا تحركت يحسبها الناظر واقفة، كما قال النابغة يصف جيشاً:
بأرْعَنَ مثلِ الطَّوْدِ تحسِبُ أنهم
وُقوفٌ لِحاجٍ والرِّكابُ تُهَمْلِجُ
والأرْعَن: الجبل الكثيف. { صُنْعَ ٱللَّهِ } قال الزجاج: هو منصوب على المصدر؛ لأن قوله: { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } دليل على الصَّنْعَة، فكأنه قال: صَنَعَ الله تعالى ذلك صُنْعاً. { ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } أحكمه وأبرمه، { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } أي: بما يفعل العباد، طائعهم وعاصيهم. وقرأ نافع وابن عامر في رواية عنه وأهل الكوفة: " تفعلون " بالتاء، على المخاطبة للعباد. قوله تعالى: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ } مفسّر في آخر الأنعام. { فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } وهو الثواب المضاعف الدائم. وقيل: المعنى: فله خير حاصل من جهتها، وهو الجنة. { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } قرأ أهل الكوفة: " فَزَعٍ " بالتنوين، وقرأ نافع وأهل الكوفة: " يومَئذٍ " [بفتح الميم. وقرأ الباقون: " فَزَعِ " بغير تنوين على الإضافة، " يومِئذٍ " بخفض] الميم. قال الفراء: الإضافةُ أعجب إليّ في العربية؛ لأنه فَزَعٌ معلوم، ألا ترى إلى قوله تعالى:{ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء: 103] فصيّره معرفةً، فإذا أضفْتَ وكان معرفةً كان أحب إليّ. واختار أبو عبيدة قراءة التنوين وقال: هي أعمّ التأويلين، فيكون الأمن [من] فزعٍ من جميع ذلك اليوم. قال أبو علي الفارسي: إذا نوّن يجوز [أن يُعْنى به فزع واحد، ويجوز] أن يُعْنى به الكثرة؛ لأنه مصدر، والمصادر تدل على الكثرة، وإن كانت مفردة الألفاظ، كقوله تعالى: