الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } * { إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ }

قوله تعالى: { وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ } قال الواحدي وابن الجوزي: المعنى: وما من جملة غائبة.

وقال صاحب الكشاف: سُمّي الشيء الذي يغيب ويخفى: غائبة وخافية، فكانت التاء فيهما [بمنزلتها] في العافية والعاقبة، ونظائرهما: النطيحة والرّميّة [والذبيحة]، وأنها أسماء غير صفات، ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة، [كالرّاوية] في قولهم: ويل للشاعر من راوية السوء. كأنه قال: ما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء إلا [وقد] علمه الله تعالى وأحاط به وأثبته في اللوح.

قوله تعالى: { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } قال ابن السائب: إن أهل الكتاب اختلفوا وصاروا شيعاً وأحزاباً، فأنزل الله تعالى القرآن بياناً لما اختلفوا فيه، لو أخذوا به وأسلموا.

{ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } سبق تفسيره.

{ إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ } قال أكثر المفسرين: يقضي بين أهل الكتاب.

ويجوز أن يكون المعنى: يقضي بين المؤمنين والكافرين بالقرآن.

وقد تقدم ذكر الفريقين، ويعني " بحُكْمه ": بعدْلِه.

وقيل: أراد بحكمته. ويدل عليه قراءة أبي المتوكل وعاصم الجحدري: " بحِكَمِهِ " بكسر الحاء وفتح الكاف، جمع حِكْمَة.

{ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب فلا يرد حكمه وقضاؤه، { ٱلْعَلِيمُ } بما يقضي بين المختلفين.

وفي قوله: { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ } أوضح بيان وأنور برهان، على أن المحق حقيق بالوثوق بالله تعالى، خليق بالاعتماد عليه، وأنه جدير بالنصر، وإن قلَّت أنصاره.

قوله تعالى: { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } هذا مثلٌ للكفار، شبَّههم الله تعالى لعدم إصاختهم إلى الحق وإفراط إعراضهم عنه بالموتى الذين فقدوا آلة السماع، وكذلك شبههم أيضاً بالصُّمِّ فقال: { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ } ، ثم أكّد ذلك بقوله: { إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ }؛ لأنهم في هذه الحالة أبعد عن إدراك النداء.

وقرأ ابن كثير: " ولا يَسْمَعُ " بياء مفتوحة مع فتح الميم، " الصُّمُ " بالرفع، على الإخبار عنهم.

{ وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ } وقرأ حمزة: " وما أنت تَهْدِي " بالتاء وفتحها، مثل: ترمي، و " العُمْيَ " بالنصب، ونظيره:أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ } [يونس: 43].

والمعنى: وما أنت بقادر على هداية الكفار لتوغلهم في الضلال وشدة عنادهم.

{ إِن تُسْمِعُ } سماع إفهام وانتفاع { إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } يُصدِّق بالقرآن، { فَهُم مُّسْلِمُونَ } مخلصون في توحيد الله تعالى، من قوله:بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ } [البقرة: 112]، أو { فَهُم مُّسْلِمُونَ }: مستسلمون منقادون انقياد خضوع لجلال الله تعالى وعظمته.