ثم إن الله عز وجل أمر نبيه أن يتلو عليهم هذه الآيات الناطقة بالبراهين القاطعة بوحدانية الله تعالى وعظمته وحكمته وقدرته، وأن يستفتحها بتحميده، والسلام على من اصطفاهم من عبيده، فقال: { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } فصار ذلك سُنَّةً وأدباً للعلماء والفقهاء والوعّاظ والخطباء والبلغاء والأدباء، يفتتحون به كتبهم ومسائلهم وخطبهم ورسائلهم. وفي الحديث عن النبي: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر ". وقال النبي: " أما إن ربك يحب الحمد " وهذا الذي ذكرته قول عامة المفسرين. وقد قيل: إن الأمر بالحمد خطاب للوط عليه السلام، أُمر أن يحمد الله تعالى على هلاك من كذَّبه، وأن يُسلّم على المصطفين المؤمنين. والأول أصح. قال ابن عباس في قوله: { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ }: هم الرسل الذين اصطفاهم الله تعالى لرسالته. قال عكرمة: اصطفى الله تعالى إبراهيم عليه السلام بالخُلَّة، وموسى عليه السلام بالكلام، ومحمداً بالرؤية. وقال ابن عباس في رواية أخرى: هم أصحاب محمد ورضي عنهم، وهو قول السدي. وقال في رواية أخرى: هم الذين وحّدوه وآمنوا به. وقال في رواية أخرى: هم أمة محمد. { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } قرأ أبو عمرو وعاصم: " يشركون " بالياء، حملاً على ما قبله وبعده من ألفاظ الغيبة. وقرأ الباقون بالتاء، على معنى: قل يا محمد للكفار آلله خيرٌ أما تشركون. والمعنى: آلله خيرٌ لمن عبده وأطاعه، أم الأصنام لعابديها. قوله تعالى: { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } تقديره: ما يشركون خير أمّن خلق السماوات والأرض. وقال الزمخشري: إن قلت: ما الفرق بين أم وأم في { أَمَّا يُشْرِكُونَ } ، و { أَمَّنْ خَلَقَ }؟ قلت: تلك متصلة؛ لأن المعنى: أيهما خير، وهذه منقطعة بمعنى بل والهمزة، لما قال: آلله خير أم الآلهة؟ قال: بل أمن خلق السموات والأرض [خير]؟ تقريراً لهم بأن من قدر على خلق العالم خيرٌ من جماد لا يقدر على شيء. وقرأ الأعمش: " أَمَنْ خلق " بالتخفيف، ووجهه: أن تجعل بدلاً من " الله " ، كأنه قال: أمَنْ خلق السموات والأرض خير أما تشركون؟. والحدائق: جمع حديقة، وهو البستان عليه حائط من الإحْدَاق، وهو الإحاطة. { ذَاتَ بَهْجَةٍ } أي حسن ومنظر يبتهج به من يراه. { مَّا كَانَ لَكُمْ } أي: ما ينبغي لكم { أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا }؛ لأنكم لا تقدرون عليه. ثم قال مستفهماً منكراً: { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } أي: هل معه معبودٌ سواه أعانه على ما أنشأه، { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } بالله غيره، ويجعلون له شريكاً.