قوله تعالى: { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } يريد: الحِجْر { تِسْعَةُ رَهْطٍ }. قال الزمخشري: إنما جاز تمييز التسعة بالرَّهْط؛ لأنه في معنى الجماعة. [والفرق بين الرَّهْط] والنَّفَر: أن الرَّهْطَ من الثلاثة إلى العشرة، أو من السبعة إلى العشرة، والنَّفَرُ من الثلاثة إلى التسعة، وكانوا من أبناء أشرافهم، عتاة، وهم الذين سعوا في عقر الناقة. قال وهب: أسماؤهم: الهذيل بن عبد رب، عنم بن غنم، رئاب بن مهرج، عمير بن كُرْدُبة، عاصم بن مخرمة، سُبيط بن صدقة، سمعان بن صفي، قُدار بن سالف. { يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } ، وفي قوله: { وَلاَ يُصْلِحُونَ } إيذان بأنهم كانوا عن الصلاح بمعْزِل، إذ من المفسدين من يَنْدُرُ منه عمل صالح. { قَالُواْ } أي: قال بعضهم لبعض { تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ } أي: تحالفوا به. وجائز أن يكون قوله: " تقاسموا " خبراً في محل الحال، على معنى: قالوا متقاسمين بالله. { لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } أي: لنقتُلَنّ صالحاً وأهله ليلاً. وقرأ حمزة والكسائي: " لتُبَيِّتُنَّه " بالتاء بدل النون وضم التاء الثانية. { ثُمَّ لَنَقُولَنَّ } قرأها أيضاً بالتاء بدل النون وضم اللام الثانية. فعلى القراءة الأولى: يكون المتكلمون قد أدخلوا أنفسهم مع المقتسمين، كما في قوله تعالى:{ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ } [آل عمران: 61]. وعلى القراءة الثانية لم يُدْخِلوا أنفسهم معهم. وقرأ مجاهد كحمزة والكسائي، إلا أنه بالياء فيهما. فيتعين على قراءته أن يكون قوله: " تقاسموا " خبراً لا أمراً. { ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ } أي: لولي دَمِه { مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ } مُفسرٌ في سورة الكهف على حسب اختلاف القراء فيه. فعلى قراءة من فتح الميم واللام -وهو أبو بكر-: الأهل فاعلون في المعنى؛ لأنه مصدر هَلَكَ يَهْلِكُ هلاكاً ومَهْلَكاً، إلا على لغة بني تميم، فإنهم يقولون: هلكني الأمر، بمعنى: أهلكني، فتكون في موضع نصب. ومن ضمّ الميم وفتح اللام - وهم أكثر القراء -: فهو مصدر، من أهْلَكَ، والأهل في موضع نصب، على معنى: ما شهدنا إهلاك أهله. قوله تعالى: { وَمَكَرُواْ مَكْراً } وهو ما أخفوه من تدبير قتل صالح وأهله، { وَمَكَرْنَا مَكْراً } جازيناهم على مكرهم، { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بمكر الله تعالى بهم. { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ } ، ثم استأنف فقال: { أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ } وقرأ أهل الكوفة: " أنَّا " بفتح الهمزة، ويقوي هذه القراءة [قراءة] أبي بن كعب: " أنْ دمرناهم ". قال أبو علي الفارسي: من قرأ: " أنّا " بفتح الهمزة، فإن جعل " كان " من قوله: " كيف كان عاقبة مكرهم " هي التامة، جاز في قوله: " أنّا دمرناهم " أمران: أحدهما: أن يكون بدلاً من قوله: " عاقبة مكرهم ". والآخر: أن يكون محمولاً على مبتدأ مضمر، كأنه قال: هو أنّا دمرناهم، أو ذاك أنّا دمرناهم.