الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } * { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } * { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قال العلماء بالتفسير: كرهت الجن أن يتزوج سليمان بلقيس خوفاً أن تُفضي إليه بأسرارهم؛ لأنها كانت بنت جنية، وخافوا أن يولد له منها ولد يجتمع له فطنة الجن والإنس، فيخرجوا من مُلْكِ سليمان إلى مُلْكٍ هو أشد وأفظع فَنَزَكُوها وأساؤوا القول فيها وقالوا: إنها شعراء الساقين، وأنّ رجلها كحافر الحمار، وأنّ في عقلها شيئاً، فاختبر عقلها بتنكير عرشها واتخذ الصرح لينظر إلى ساقها ورجْلها، فذلك قوله: { قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } أي: غيّروا صفته.

قال ابن عباس: جعلوا صفائح الذهب التي كانت عليه مكان صفائح الفضة، وصفائح الفضة مكان صفائح الذهب، والياقوت مكان الزبرجد، والدر مكان اللؤلؤ، وقائمتي الزبرجد مكان قائمتي الياقوت.

وقال قتادة: جعلوا أسفله أعلاه، ومقدمه مؤخره، وزادوا فيه ونقصوا منه.

{ نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ } إلى معرفته { أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ } قال مجاهد: جعلت تعرفُ وتُنكر، وعجبت من حضور عرشها عند سليمان، فقالت: { كَأَنَّهُ هُوَ }.

قال عكرمة: كانت حكيمة، قالت: إن قلت: هو، خشيت أن أكذب، وإن قلت: لا، خشيت أن أكذب، فقالت: كأنه هو.

قال المفسرون: قيل لها: فإنه عرشك، فما أغنى عنك إغلاق الأبواب والحرس.

قوله تعالى: { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } جائز أن يكون من كلام سليمان، وجائز أن يكون من كلام بلقيس.

فإن كان من كلام سليمان عليه السلام؛ فالمعنى: وأوتينا العلم بالله تعالى وبقدرته وصحة ما جاء من عنده من قبل علمها، أو يكون المعنى: أوتينا العلم بإسلامها من قبل مجيئها.

وإن كان من قول بلقيس؛ فالمعنى: وأوتينا العلم بصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة التي شاهدناها من أمر الهدهد، وحدثتنا به رسلنا من قبل هذه الآية.

" وكنا مسلمين ": مستسلمين لأمر سليمان، مذعنين لنبوته منقادين لطاعته.

قوله تعالى: { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي: وصَدَّها عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس.

قال الزجاج: صَدَّها عن الإيمان [العادَة] التي كانت عليها؛ لأنها نَشَأَتْ ولم تعرف إلا قوماً يعبدون الشمس، فصدّتها العادَة، وبَيَّنَ عادتها بقوله: { إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ }.

وقال الزمخشري: وقيل: المعنى: وصدها الله تعالى -أو سليمان- عما كانت تعبد، بتقدير حذف الجار وإيصال الفعل.

وقرأ سعيد بن جبير: " أنها " بفتح الهمزة، على معنى: لأنها كانت، أو هو بدل من فاعل صدّ.

{ قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ } قال الزجاج: الصَّرْحُ في اللغة: القَصْرُ والصَّحْنُ، يقال: هذه ساحة الدار، وصرحة الدار، وباحة الدار، وقاعة الدار. هذا كله في معنى الصَّحْن.

قال مقاتل: كان قصراً من قوارير بُنِيَ على الماء وتحته السَّمَك.

قال مجاهد: كانت برْكَة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير.

السابقالتالي
2