الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

فلما رجع إليهم الرسول وأخبرها بما شاهد من عجائب مُلْكه وسلطانه ودلائل نبوته وحكمته، عرفت حينئذ أنه مؤيد بالرسالة، فأخذت في المسير إليه، وأمرت بعرشها فجعل من وراء سبعة أبواب ووكلت بحفظه [الحرس]، وشخصت إلى سليمان، فأخبر جبريل عليه السلام سليمان بمسيرها إليه، فلما كانت منه على مسيرة فرسخ، قال سليمان لجنوده: { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا }.

إن قيل: ما أراد بذلك؟

قلت: يجوز أن يكون مراده بذلك: أن يُرِيَهَا بعض ما خصَّه الله به تعالى به من كرامته وإجراء العجائب على يديه، وأن يُطلِعَهَا على عظيم قدرة الله تعالى وعظيم سلطانه، لتتوفر دواعيها إلى الإسلام. ويحتمل أنه أراد معاجلتها بأخذه والاستيلاء عليه قبل أن يحرّمه عليه الإسلام، ألا تراه يقول: { قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }. وهذا معنى قول قتادة.

{ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ } وقرأ أبيّ بن كعب بفتح العين، وقرأ ابن مسعود: " عِفرَاةٌ " بكسر العين وألف بدل الياء، والوقف عليها على هذه القراءة بالهاء.

وقرأتُ على الشيخين أبي البقاء وأبي عمرو الياسري للكسائي من رواية ابن أبي شريح عنه: " عِفْريّةٌ " بكسر العين وفتح الياء، والوقف عليها أيضاً بالهاء.

قال ابن قتيبة: العِفْريتُ: الشديد الوثيق.

وقال الزجاج: هو النافذُ في الأمر المبالغُ فيه مع خُبْثٍ وَدَهَاءٍ.

{ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } أي: من مجلسك الذي تجلس فيه لفصل القضاء، وكان يجلس فيه من غُدْوَةٍ إلى نصف النهار.

{ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ } على حمله، { أَمِينٌ } على ما فيه من الذهب والجواهر، فقال سليمان: أريد أعجل من ذلك، فـ { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ } وهو آصف بن بَرْخِيّا، وكان صدّيقاً عالماً، وكان كاتباً لسليمان.

وقال [عبدالله] بن لهيعة: بلغني أنه الخضر عليه السلام.

وقيل: جبريل عليه السلام.

قال ابن عباس وجمهور المفسرين: " عِلْم الكتاب ": اسم الله الأعظم.

قال مجاهد: قال: يا ذا الجلال والإكرام.

وقال ابن السائب: قال: يا حي يا قيوم.

{ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } حسيراً إذا أَدَمْتَ النظر.

وقال الزجاج: هو مقدار ما تفتح عينيك ثم تَطْرِف.

وقيل: المعنى: قبل أن يأتيك أقصى من تنظر إليه.

قال ابن عباس: دعا آصف، فبعث الله تعالى إليه الملائكة فحملوا السرير تحت الأرض يَخُدُّونَ الأرض خَدّاً، حتى انخرقت الأرض بالعرش بين يدي سليمان عليه السلام.

وقال سعيد بن جبير: قال آصف لسليمان: انظر إلى السماء، فما طرف حتى جاء به فوضعه بين يديه.

{ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } أي: فلما رأى العرش ثابتاً بين يديه، { قَالَ } شاكراً لله تعالى ومثنياً عليه: { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ } ليختبرني { أَأَشْكُرُ } فضله { أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } لأنه يرتبط بالشكر نعمة الله عليه ويستمدّ المزيد ويؤدي فرض الشكر، ويتخلّص من إثم الكفر.

قال بعضهم: الشكر قيدُ النعمة الموجودة، وصيدٌ للنعمة المفقودة.

{ وَمَن كَفَرَ } بترك الشكر، { فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ } عن شكره { كَرِيمٌ } [يرزقه] مع كفره.