الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } * { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } قرأ حمزة: " أتمدونّي " بنون مشددة على الإدغام لاجتماع المثلين، فتُمَدُّ الواو لالتقاء الساكنين.

وقرأ الباقون بنونين ظاهرتين على الأصل، الأولى علامة الرفع في الفعل، والثانية هي التي تدخل مع الياء في ضمير المتكلم المنصوب.

والمراد بالمال: لَبِنَات الذهب، والوُصَفاء والوصائف، وقد ذكرنا عددهم عن ابن عباس.

وقال مجاهد: كانوا مائتي غلام ومائتي جارية.

وقال وهب: خمسمائة غلام وخمسمائة جارية.

فإن قيل: بأيّ طريق توصّل إلى معرفتهم؟

قلت: روي عن سعيد بن جبير: أنه أمرهم بالوضوء، فبدأ الغلام من مرفقه إلى كفه، وعكست الجارية ذلك.

وقال قتادة: بدأ الغلمان بغسل ظهور السواعد قبل بطونها، والجواري على العكس.

قوله تعالى: { فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ } أي: ما آتاني الله من الجنود واستفحال المُلْك وطاعة الجن والإنس وسائر الحيوان والنبوة والعلم وزينة الدنيا.

قال المفسرون: ضَرَبَ الجن لَبِنَ الذهب والفضة وفرشوه في ميدان بين يديه، وجعلوا حول الميدان حائطاً شُرَفُهُ من الذهب والفضة، وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر فربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللَّبِن، ثم قعد سليمان على سريره والكراسي من جانبيه، واصطفَّت الشياطين صفوفاً والجن صفوفاً فراسخ، والوحش والسباع والطير كذلك، فلما دنا القوم ونظروا بهتوا ورأوا الدواب تَرُوثُ على اللَّبِن، فتقاصرت إليهم نفوسهم وأمر بِرَدِّ هديتهم.

قوله تعالى: { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } قال الزمخشري: أضْرَبَ عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه، وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا ولا فرح، إلا أن يُهدى إليهم حظٌ من الدنيا [التي] لا يعلمون غيرها. ويجوز أن تجعل الهدية مضافة إلى المُهْدِي، ويكون المعنى: بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار على الملوك، بأنكم قدرتم على إهداء مثلها. ويحتمل أن يكون عبارة عن الردّ، كأنه قال: بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها.

قوله تعالى: { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ } خطاب للرسول. وقيل: للهدهد، على معنى: ارجع إليهم حاملاً كتاباً آخر، { فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } أي: لا طاقة لهم بها. وحقيقته: ليس لهم من يقابل جنودي.

{ وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ } أي: من بلدتهم { أَذِلَّةً } قد ذهب عنهم عز المُلْك والسلطان، { وَهُمْ صَاغِرُونَ } أذلّاء.