الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } * { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } * { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } * { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ }

فـ { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي } أي: أشيروا عَلَيَّ ما أصنع في هذا الخَطْب الجليل الذي نزل بي: { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } أي: ما كنتُ فاصلَةً وباتّةً أمراً حتى تحضرون.

{ قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ } في أجسادنا وبعَدَدنا وعُدَدنا، { وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي: شجاعة وبلاء في الحروب، وهو كلام يلوح منه ميلهم إلى المحاربة، { وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ } في القتال وتركه وغير ذلك، { فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } وهذا إذعان منهم بالطاعة لها كيف تصرفت الأحوال، واعتراف أنها أكملهم رأياً وأحسنهم تدبيراً.

{ قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } يعني: إذا دخلوها عَنْوة أفسدوها بخرابها [وقتل] أهلها، { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } بالقهر والاسترقاق والأسْر، وهذا زجرٌ لهم عما توسَّمته من الميل إلى مقاتلة من لا قِبَلَ لهم به.

قوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } جائز أن يكون من تمام كلامها. وجائز أن يكون من قول الله تعالى؛ لأنها قد أخبرت أنهم يفسدون، فليس في التكرير بقولها: " وكذلك يفعلون " كبير فائدة. وهذا اختيار الزجاج.

{ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } قال ابن عباس: إنما أرسلت بالهدية لتعلم أنه إن كان نبياً لم يُرد الدنيا، وإن كان مَلِكاً فسيرضى بالحَمْل.

{ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } أي: بما يكون منه حتى [أعمل] بمقتضى ذلك.

قال ابن جرير: إنما سقطت الألف في " بم "؛ لأن العرب إذا كانت " ما " بمعنى " أي " ثم وصلوها بحرف خافض، أسقطوا ألفها تفريقاً بين الاستفهام والخبر، كقوله:عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } [النبأ: 1]،قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } [النساء: 97]، وربما أثبتوا فيها الألف.

قال الشاعر:
على ما قَامَ يشتمُنا لَئيمٌ    كخنزيرٍ تَمَرَّغَ في رَمَاد
قال ابن عباس: بعثت ثلاث لبنات من ذهب، في كل لبنة مائة رطل، وثلاثين وصيفاً، وثلاثين وصيفةً، وألبستهم لباساً واحداً حتى لا يعرف الذكر من الأنثى، ثم كتبت إليه: إني قد بعثت إليك بهدية فاقبلها، وقد بعثت إليك ثلاثين وصيفاً وثلاثين وصيفة، فميّز بين الجواري والغلمان، فجاء أمير الشياطين فأخبره بما بعثت إليه، فقال له: انطلق فافرش على طريق القوم من باب مجلسي ثمانية أميال في ثمانية أميال [لَبِناً] من ذهب، فانطلق، فبعث الشياطين فقطعوا اللَّبِن من الجبال وطَلُوه بالذهب وفرشوه، ونصبوا في الطريق أساطين الياقوت الأحمر، فلما جاءت الرسل قال بعضهم لبعض: كيف تدخلون على هذا الرجل بثلاث لبنات وعنده ما رأيتم؟ فقال رئيسهم: إنما نحن رسل، فدخلوا [عليه] فوضعوا اللَّبِن بين يديه، فقال: أتمدونني بمال.