الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } * { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } * { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } * { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }

فلما فرغ الهدهد من كلامه استبعد سليمان أن يكون في الأرض ذو سلطان سواه، فـ { قَالَ } للهدهد: { سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ }.

ثم إنه كتب كتاباً وختمه بخاتمه، ثم دفعه إلى الهدهد وقال: { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ }. قرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة: " فألْقِهْ " بسكون الهاء، وكَسَرَها قالون من غير إشباع، والباقون وَصَلُوها بياء.

قال الزجاج: إثبات الياء أجود الأوجه، ومن أسكن الهاء فغالط؛ لأن الهاء ليست بمجزومة، وليس له وجه من القياس.

وقال غيره: من سكن الهاء نوى الوقف وهو بعيد.

وقال الأخفش: هي لغة، ولم يحْكِها سيبويه، وإنما جاء مثل هذا في ضرورة الشعر، وقد أشبعنا في مثل هذا فيما مضى.

{ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } أي: تَنَحَّ عنهم حتى تكون قريباً منهم في مكان تتوارى فيه لتسمع ما يقولون.

وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، التقدير: { فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } ثم تولّ عنهم راجعاً إليَّ.

قال قتادة: أتاها الهدهد وهي نائمة فألقى الكتاب على نحرها، فقرأته وأخبرت قومها.

وقال مقاتل: حمله في منقاره حتى وقف على رأس المرأة، فَرَفْرَفَ ساعة والناس ينظرون، فرفعت رأسها، فألقى الكتاب في حجرها، فلما رأت [الكتاب ورأت] الخاتم أرعدت وخضعت، وخضع من معها من الجنود.

ثم قالت: { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } وصفتْه بالكَرَم؛ لأنه كان مختوماً.

وقيل: لأنها حسبته من عند الله تعالى حيث رأته مع الهدهد. رويا عن ابن عباس.

وقيل: لأنها رأته مُصَدَّراً ببسم الله الرحمن الرحيم.

وقال الزجاج: " كريم ": حسن.

وقيل: وَصَفَتْه بالكَرَم؛ لكونه من ملك كريم.

{ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } كأنه قيل لها: ممن هو الكتاب؟ فقالت: إنه من سليمان.

وقرئ شاذاً: " أنَّه من سليمان وأنَّه " بفتح الهمزة فيهما؛ تعليلاً لكريم الكتاب.

{ أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ } لا تتكبروا عليَّ ولا تأنفوا من الانقياد إليّ.

وقرأ ابن عباس: " تَغْلُوا " بالغين المعجمة، من الغلو، وهو مجاوزة الحدّ.

فإن قيل: ما محل: " أن لا تعلوا " من الإعراب؟

قلت: " أنْ " في موضع الرفع على البدل من " كتاب كريم " ، أو على معنى: ألْقِيَ عَلَيّ أن لا تعلوا. ويجوز أن يكون في موضع النصب، على معنى: ألقي إليَّ كتاب بأن لا تعلوا.

[وفسّر] سيبويه والخليل " أنْ " في هذا الموضع في تأويل أي، على معنى: أي لا تعلوا عليّ، ومثله:وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ } [ص: 6]، وفسّرها: أي امشوا.

قوله تعالى: { وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } أي: مُنْقادين لأمري.

قال قتادة: كذلك كانت الأنبياء تَكْتُبُ جُمَلاً لا تطيل.

ثم جمعت أشراف قومها للمشورة وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر قائداً، كل واحد على عشرة آلاف.

وقال مجاهد: كانوا ألف قَيْل، تحت يدي كل قَيْلٍ ألف مقاتل.