الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } * { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } * { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } * { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

قوله تعالى: { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } وقرأ عاصم بفتح الكاف، وهما لغتان، والفتح أقيس؛ لأن اسم الفاعل منه: ماكِث. قال الله تعالى:مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } [الكهف: 3]، وقال تعالى:إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [الزخرف: 77]. وهذا يدل ظاهراً أنه من فَعَلَ - بالفتح -؛ لأن مكان الفاعل من فَعُلَ -بالضم- فعيل، نحو: ظريف وشريف وكريم، من ظَرُفَ وشَرُفَ وكَرُمَ.

والمعنى: فمكث غير زمان بعيد.

وكان سليمان عليه السلام قال للعُقاب: عَلَيَّ بالهدهد، فارتفع فرآه مقبلاً فانصبّ عليه فقال: بالذي قوّاك عليّ وأقدرك إلا ما رحمتني، فتركه وقال: ثكلتك أمك، إن نبي الله قد حلف ليعذبنك عذاباً شديداً أو ليذبحنك، فقال: أَوَما استثنى؟ قال: بلى، فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحه وأقبل يجُرُّهما على الأرض تواضعاً لسليمان عليه السلام، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده إليه، فقال: يا نبي الله! اذكر وقوفك بين يدي الله، فارْتعد سليمان عليه السلام وعفى عنه، ثم سأله فقال: ما الذي بطَّأ بك؟ { فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } ، أي: علمت شيئاً من جميع جهاته.

قال صاحب الكشاف: كافح سليمان بهذا الكلام على ما أوتي من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمّة والإحاطة بالمعلومات الكثيرة، ابتلاءً له في علمه، [وتنبيهاً] على أن في أدنى خلق الله وأضعفه من أحاط علماً بما لم يُحِطْ به؛ لتَتَحَاقَرَ إليه نفسه، ويتصاغر إليه علمه، ويكون لطفاً له في ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء، وأعْظِمْ بها فتنة. وفيه دليل على بطلان قول الرافضة: أن الإمام لا يخفى عليه شيء، ولا يكون في زمانه أحدٌ أعلم منه.

{ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ } قرأ أبو عمرو والبزي: " سبأَ " بالفتح من غير تنوين على أنه اسم للقبيلة أو المدينة.

قال قتادة: هي أرض باليمن يقال لها: مأرب.

ومَنَعَه الصّرف: التعريف والتأنيث.

قال الشاعر:
ما سَبَأَ الحاضرينَ مأربَ إذ   يَبنُونَ مِنْ دُون سَيْلِهِ العَرِمَا
وقرأ قنبل بإسكان الهمزة كأنه نوى الوقف، وقرأ الباقون بالجر والتنوين، وجعلوه اسماً للأب، وهو سبأ بن يُشْجُب ابن قحطان، أو اسماً للحي أو للمكان أو الموضع، فصرفوه. وكذلك اختلافهم في سورة سبأ.

{ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } أي: خبر ثابت صادق لا ريبة فيه.

ثم ذكره فقال: { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } يعني: بلقيس بنت شراحيل، وقيل: بنت الهَدْهَاد، ملكة سبأ، وكان أبوها ملك اليمن قد ولده أربعون ملكاً، ولم يكن له ولد غيرها فغلبت على المُلْك، وكانت هي وقومها مَجُوساً يعبدون الشمس. وضمير المفعول في " تمْلِكُهُم " راجع إلى سبأ، فإن أريد القبيلة فلا إشكال، وإن أريد المدينة فالمراد: تملك أهلها.

{ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } قال عطاء: من زينة الدنيا من المال والجنود.

السابقالتالي
2 3