الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } * { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }

قوله تعالى: { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ } أي: طلب ما فُقد منه، { قَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ } هذا من مقلوب الكلام، أي: ما للهدهد لا أراه، وجاز مثل ذلك لوضوح المعنى، كما تقول العرب: ما لي أراك مكتئباً، أي: مَا لَكَ.

{ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } قال: معناه: بل كان من الغائبين.

وقال الزمخشري: " أم " هي المنقطعة، نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال: ما لي لا أراه، على معنى: أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك، ثم لاح له أنه غائب، فأضْرَبَ عن ذلك وأخذ يقول: أهو غائب؟ كأنه يسأل عن صحّة ما لاح له. ونحوه قولهم: إنها لإبل أم شاءٌ؟

قال ابن عباس: نزل سليمان مَنْزِلاً ولم يدْر ما بُعْد الماء، وكان الهدهد يدلُّه على الماء إذا أراد أن ينزل، فلما فَقَدَهُ سأل عنه، وذلك أن الهدهد يرى الماء في الأرض كما يرى الماء في الزجاجة.

ويروى: أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس: تزعم أن الهدهد يرى مسقاة الماء وأن الصبيّ يضعُ له الفخ فيُغطّي عليه شيئاً من التراب فيجيء فيقعُ فيه؟ فقال: ويحك، أما علمت أن القَدَر يحول دون البَصَر.

وقال بعض المفسرين: إنما طلبه؛ لأن الطير كانت تظلهم من الشمس، فأخَلَّ الهدهد بمكانه فطلعت الشمس عليهم من الخلل.

ثم إنه توعده على غيبته فقال: { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } قال ابن عباس: أراد نَتْفَ ريشه.

وقيل: نَتْفَ ريشه وصَهْره في الشمس مَطْلِياً بالقطران.

وقيل: إيداعه القَفَص.

وقيل: التفريق بينه وبين إلْفِه.

وقيل: حشْره مع غير جنسه.

{ أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } حجة ظاهرة في إقامة عذره.

قرأ ابن كثير: " ليأتينَّني " بنونين، إحداهما مشددة على الأصل، والباقون كرهوا اجتماعهن، فحذفوا النون التي تصحب ياء المتكلم.