الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ } أي: أشرفوا عليه.

قال كعب: هو وادٍ بالطائف.

وقال قتادة: بالشام.

{ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ } أي: صاحتْ بصوت، فلما كان ذلك الصوت مفهوماً عبّر عنه بالقول، ولما كان النمل ينطق كنطق الآدميين [أجري مجرى الآدميين] فقيل: { ٱدْخُلُواْ }.

واختلفوا في صفة النملة فقيل: كانت كهيئة النعجة.

وقيل: كانت صغيرة.

وظاهر القرآن يدل على أنها كانت أنثى.

ويروى: أن قتادة دخل الكوفة فالتفّ عليه الناس فقال: سلوا عما شئتم، وكان أبو حنيفة حاضراً -وهو غلامٌ حَدَثٌ-، فقال: سلُوه عن نملة سليمان أكانت ذكراً أم أنثى، فسألوه فلم يُحِرْ جواباً، فقال أبو حنيفة: كانت أنثى، فقيل له: من أين عرفت ذلك؟ فقال: من كتاب الله، وهو قوله: { قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ } ، ولو كان ذكراً لقال: قال نملة. وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى، فيميز بينهما بعلامة، نحو قولهم: حمامة ذَكَرٌ وحمامة أنثى، وهو وهي.

قوله تعالى: { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } أصل الحَطْم: الكَسْر.

قال الفراء: هذا نهي فيه ظرفٌ من الجزاء.

وقال الزمخشري: يحتمل أن يكون جواباً للأمر، وأن يكون [نهياً] بدلاً من الأمر. والذي جوّز أن يكون بدلاً منه: أنه في معنى: لا تكونوا حيث أنتم فيحْطِمَكُم، [على] طريقة: لا أرينَّك هاهنا.

{ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ } أراد: لا [يحطمنّكم] جنود سليمان، فجاء بما هو أبلغ، ونحوه: عجبت من نفسي وإشفاقِها.

{ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أي: لا يعلمون بحطْمِكُم ووطئكم.

وقال ابن عباس: المعنى: وأصحاب سليمان لا يشعرون بكلام النملة. فيكون كلاماً مستأنفاً أخبر الله تعالى به أن أصحاب سليمان لا يعلمون ما قالت النملة، مُعَرِّضاً بتفضيل سليمان وامتيازه على الخلق بإحاطته بقولها.

قال مقاتل: سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال.

قال بعض العلماء: الآية من عجائب القرآن؛ لأنها بلفظة " يا ": نادتْ، " أيها ": نَبَّهَت، " النمل ": عَيَّنَت، " ادخلوا ": أمَرَت، " مساكنكم ": نَصَّتْ، " لا يحطمنكم ": حَذَّرت، " سليمان ": خصّت، " وجنوده ": عَمّت، " وهم لا يشعرون ": عَذَرَت.

قوله تعالى: { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا } " ضاحكاً " حال مُقدَّرة، والتقدير: فتبسّم مُقَدِّراً الضحك، ولا يكون محمولاً على الظاهر، أعني: الحال المطلق؛ لأن التبسّم غير الضحك.

وقال الزجاج: " ضاحكاً ": حال مؤكدة؛ لأن تبسَّم بمعنى ضَحِكَ.

وقال صاحب الكشاف: أي: تبسّم شارعاً في الضحك، آخذاً فيه، بمعنى: أنه قد [تجاوز] حَدَّ التبسم إلى الضحك، وكذلك ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

وأما ما روي أن النبي ضحك حتى بدتْ نواجذه؛ فالغرض: المبالغة في وصف ما وُجد منه من الضحك النبوي، وإلا فبدُوِّ النواجذ على الحقيقة إنما يكون عند الاستغراب -يريد: القهقهة-.

السابقالتالي
2