الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } * { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } قال ابن عباس: علماً بالقضاء، وبكلام الطير والدواب، وتسبيح الجبال.

{ وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بالعلم والنبوة، وإلانة الحديد، وتسخير الشياطين والجن والإنس.

وفي هذه الآية دليلٌ ظاهرٌ وبرهانٌ باهرٌ على شرف العلماء وإنافة محلهم، ودلائل شرفهم النقلية والعقلية كثيرة، ولو لم يكن لهم من مراتب الإنافة إلا أن الله تعالى فضّلهم على الكافّة، فقال:يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: 11]. اللهم فألبسنا من مدارعه أضفاها، وأوردنا من مشاربه أصفاها.

قوله تعالى: { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } يعني: ورث منه النبوة والملك والعلم دون سائر بنيه، وكان له تسعة عشر ذَكَرَاً، فخُصَّ بذلك من بينهم.

{ وَقَالَ } ذاكراً لإحسان الله تعالى إليهم وشاكراً لأنعمه عليهم { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ } أي: فُهِّمْنا لغة الطير.

قال قتادة: والنمل من الطير.

ويروى: أن سليمان عليه السلام مَرَّ على بلبل في شجرة يحرّك رأسه ويميل ذَنَبَه، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ قالوا: الله ونبيه أعلم، قال: يقول: أكلت نصف تمرة، فعلى الدنيا العفاء.

وصاحت فَاخِتَةٌ يوماً فقال: إنها تقول: ليت ذا الخلْقَ لم يُخْلَقُوا.

وصاح طاووس فقال: يقول: كما تدين تدان.

وصاح هُدْهُدٌ فقال: يقول: استغفروا الله يا مذنبين.

وصاح طِيْطَوَى فقال: يقول: كل حي ميت، وكل جديد بَال.

وصاح خُطَّافٌ فقال: قدموا خيراً تجدوه.

وصاحت رَخَمَةٌ فقال: تقول: سبحان ربي الأعلى، ملأ سمائه وأرضه.

وصاح قُمْرِيٌ فأخبر أنه يقول: سبحان ربي الأعلى.

وقال: الحِدَأة تقول: كل شيء هالك إلا الله.

والقَطَاة تقول: من سكت سلم.

والببغاء يقول: ويل لمن الدنيا همّه.

والديك يقول: اذكروا الله يا غافلين.

والنسر يقول: يا ابن آدم عِشْ ما شئت آخرُك الموت.

والعُقاب يقول: في البُعد من الناس أُنْس.

والضِّفْدَع يقول: سبحان ربي القدوس.

قوله: { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ } قال الزجاج: من كل شيء يجوز أن يُؤتاه الأنبياء والناس.

وقيل: أراد بقوله: " وأوتينا من كل شيء ": كثرة ما أوتي، كما تقول: فلان يقصده كل أَحَدٍ، ويعلم كل شيء، يريد: كثرة قُصَّادِهِ ورجوعه إلى غزارةٍ في العلم واستكثارٍ منه. ومثله قوله:وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [النمل: 23].

أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه في كتاب الزهد بإسناده عن ابن أبي نجيح قال: قال سليمان عليه السلام: " أوتينا ما أوتي الناس وما لم يؤتوا، وعُلّمنا ما عُلّم الناس وما لم يُعَلَّمُوا، فلم نجد شيئاً أفضل من ثلاثةٍ: كلمة الحلم في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله تعالى في السر والعلانية ".

وروي عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال: أعطي سليمان عليه السلام مُلْك مشارق الأرض ومغاربها، فَمَلَكَ أهلَ الدنيا كلَّهم من الجن والإنس والدواب والطير والسباع، وأُعطي علم كل شيء، وفي زمانه صُنعت الصنائع العجيبة فذلك قوله تعالى: { عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ }.

السابقالتالي
2