الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } * { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } * { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } * { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } * { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ }

قوله: { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } يريد هدايته بعد إتمام خلقه ونفخ الروح فيه، إلى كل ما يصلحه، وإلا فَمَنْ هداه إلى الاغتذاء بامتصاص الدم في ظُلَمِ الأحشاء وكيفية الرَّضْع بعد الوضع.

وقال المفسرون: يريد: فهو [يهدين] إلى الدين والرشد لا أصنامكم.

{ وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } أي: يرزقني الطعام والشراب.

{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } أضاف الخير المحض إلى الله تعالى، واستعمل معه حُسْن الأدب، فلذلك لم يقل: " أمْرَضَنِي ". ومنه في قصة الخضر:فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } [الكهف: 79]، [وقوله]:فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا } [الكهف: 82].

فأضاف إرادة العيب إلى نفسه، والإرادة الثانية إلى الرب عز وجل.

فإن قيل: فما باله أضاف الإماتة إلى الله عز وجل في قوله: { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ }؟

قلت: ليُقرِّرَ عندهم أن المميت هو الله عز وجل، وأنه لا أثر للأسباب التي يضيفون ما يترتب عليها إليها إلا بتقدير الله عز وجل، فإن القوم كانوا ضُلالاً عُبَّاد أوثان لا يهتدون إلى واجب القول في ذلك وأمثاله، ولذلك عقّبه بقوله: { ثُمَّ يُحْيِينِ } يرشدهم إلى أنه يبعثهم بعد موتهم ليجازيهم على أفعالهم وأقوالهم.

{ وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } أي: أرجو أن يغفر لي ما عساه يصدر مني، من صغيرة، فإن الأنبياء معصومون من الكبائر والرذائل.

وقال الحسن: هي قوله للكوكب:هَـٰذَا رَبِّي } [الأنعام: 76].

وقال أكثر المفسرين: هي الكذبات الثلاث، وقد ذكرناها في سورة الأنبياء.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم علّق مغفرة الخطيئة بيوم الدين، وإنما تُغْفَرُ في الدنيا؟

قلتُ: لأن [أثرها] يتبين يومئذ، وهو الآن خفي [لا] يُعلم.

قلت: ويجوز أن تقع المغفرة يوم الدين، فإن ذلك لا يمنع منه نقل ولا عقل. وقد صح في حديث النجوى: " وأنا أغفرها لك اليوم " وقد ذكرت الحديث في سورة هود عليه السلام.

وفي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: " يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يَصِل الرحم ويُطعم، فهل ذلك نافعه؟ قال: لا؛ لأنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ".