الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } * { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } * { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } * { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } * { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

{ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } أي: أدركوا موسى وأصحابه حين شرقت الشمس، أي: طلعت.

قال الزجاج: يقال: أشرقنا؛ أي: دخلنا في وقت طلوع الشمس. وقد سبق ذلك في سورة الحجْر.

{ فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ } أي: تقابلا بحيث يرى أحدهما الآخر { قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } فقال موسى ثقة بالله وبنصره إياه: { كَلاَّ } أي: ارتدعوا وازدجروا فلن يدركونا، { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي } بالمعونة والنصر { سَيَهْدِينِ } إلى طريق النجاة.

{ فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ } فيه إضمار، تقديره: فضربه فانفلق اثني عشر طريقاً على عدد الأسباط، { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ } أي: كل جزء انفرق منه.

وقرئ شاذاً: " كل فِلْقٍ " ، والمعنى واحد.

{ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } أي: [كالجبل] العظيم.

{ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } أي: وأزلفنا حيث انفلق البحر الآخرين.

قال الزجاج: " وأزلفنا ": قرَّبْنا الآخرين من الغَرق، وهم أصحاب فرعون.

وقال أبو عبيدة: " أزلفنا ": جَمَعْنَا ثَمَّ الآخرين، قال: ومن ذلك سميت [مزدلفة] جَمْع.

قال الزجاج: وكلا القولين حسنٌ جميل؛ لأن جمعهم تقريبُ بعضهم من بعض. وأصل الزُّلْفَى في الكلام العربي: القُرْبَى.

وذكر أبو الفتح في المحتسب: أن " الآخرين ": موسى وأصحابه.

ولا أعلم أحداً من المفسرين ذكر هذا الوجه الذي ذكره، وهو بعيد من التحقيق.

وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وعبدالله بن الحارث: " وأزْلَقْنَا " بالقاف، على معنى: [أزلَلْنا] أقدامهم وأذهبنا عزّهم، كما قال:
تَدارَكتُما عَبْساً وقد ثُلَّ عرشُها   وذبيان إذ زلَّتْ بأقدامها النَّعْل
وجائز أن تكون القدرة الإلهية جعلت مسالك البحر مزلقة لهم ومدحضة لخيلهم، بعد أن كانت قُبيل ذلك يَبَسَاً لبني إسرائيل.

{ وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } من فرعون وجنوده، { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } وقد ذكرنا قصتهم في البقرة.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي: في إهلاك فرعون وقومه بالتِطَامِ البحر عليهم بعد انفراقه اثني عشر طريقاً بضربة موسى بعصاه، { لآيَةً } لعبرة لهم ولمن بعدهم. { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } بوحدانية الله تعالى.

قال المفسرون: ولم يكن آمن من أهل مصر إلا آسية امرأة فرعون، وخِرْبيلُ مؤمن آل فرعون، وفنَّة الماشطة، ومريم بنت موشما التي دلّت على عظام يوسف.

{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } المنتقم من أعدائه { ٱلرَّحِيمُ } بأوليائه.