وما بعده مُفَسَّرٌ في الأعراف إلى قوله تعالى: { فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } يعني: وقت الضحى يوم الزينة. { وَقِيلَ لِلنَّاسِ } يعني: أهل مصر، { هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ }. وهذا قول بعضهم لبعض. قال ابن زيد: كان اجتماعهم بالإسكندرية. قال الزمخشري في قوله: " هل أنتم مجتمعون " المراد به منه: استعجالهم واستحثاثهم، كما يقول الرجل لغلامه: هل أنت منطلق؟ إذا أراد أن يحرّك همته ويحثه على الانطلاق، كأنما يخيل له أن الناس قد انطلقوا وهو واقف، ومنه قول تأبط شراً:
هل أنتَ باعثُ دينارٍ لحاجَتِنا
أو عبْد ربّ أخا عَوْن بن مخراق
يريد: ابعثه إلينا سريعاً ولا تبطئ به. قلتُ: سيبويه يرويه: " عبدَ رَبِّ " بالنصب، عطفاً على محل " دينار " ، كأنه قال: باعثٌ ديناراً أو عبدَ ربّ، ولهذا نصب " أخا عون " ، ولو كان عطفاً على لفظ " دينار " لقال: أخي عون. { لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ } في دينهم { إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ }. قال الزمخشري: الغرض الكلي: أن [لا] يتبعوا موسى، فساقوا الكلام مساق الكناية؛ لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى. وذهب بعض المفسرين إلى أنهم أرادوا بالسَّحَرَة: موسى وأخاه، فيكون تهكّماً واستهزاءً بهما. وما بعده سبق تفسيره إلى قوله: { قَالُواْ لاَ ضَيْرَ } أي: لا ضَرَرَ علينا فيما تنالنا به من عذاب الدنيا. قال ابن قتيبة: هو من ضَارَه يَضُوره ويَضِيره، بمعنى: ضَرَّه. { إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } فيجازينا بصبرنا على عذابك إيانا ظلماً وعدواناً، فنفوا ضرر ما توعدهم به من العذاب في جانب ما يرجونه في مقابلته من الثواب. وقيل: المعنى: لا ضير علينا فيما تتوعدنا به؛ لأنه لا بُدَّ لنا من الانقلاب إلى ربنا بسبب من أسباب الموت، [والقتل] أهون أسبابه. { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ } أي: لأن كنا { أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } من رعية فرعون، أو من أهل المشهد بما جاء به موسى. فإن قيل: فما وجه قراءة من قرأ: " إن كنا " بالكسر مع تحققهم [أنهم] أول المؤمنين؟ قلتُ: جائز أن يكون بمعنى إذ، كقوله تعالى:{ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [البقرة: 278]. وقيل: هو من الشرط الذي يجيء به المدلّ بأمره المتحقق لصحته، ونظيره قول القائل لمن يؤخر جُعْله: إن كنت عملت لك فَوَفِّني حَقِّي، وأنشد أبو الفتح ابن جني في معنى هذا: