الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } * { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } * { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } * { قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } * { قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } * { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ }

{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } قال محمد بن إسحاق: استوصفه إلهه الذي أرسله إليه.

فأجابه موسى بما يدل عليه من مخلوقاته فقال: { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } [وإنما] ثَنَّى والسماوات والأرض جمع ذهاباً إلى [الجنسين].

قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى: { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } وأين عن فرعون وملئه الإيقان؟

قلت: معناه: إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إليه النظر الصحيح نَفَعَكُم هذا الجواب، وإلا لم ينفع، أو إن كنتم موقنين بشيء قط، فهذا أولى ما توقنون به؛ لظهوره وإنارة دليله.

{ قَالَ } يعني: فرعون { لِمَنْ حَوْلَهُ } من أشراف قومه، قيل: كانوا خمسمائة رجل عليهم الأساورة، وكانت للملوك خاصة { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } هذه المقالة. قَصَدَ الخبيث بذلك إغراءهم بموسى، وأنه قد جاء بأمر شنيع وقول فظيع تجب المبادرة إلى إنكار مثله، فلم يُعرِّجْ موسى على تلبيسه وتدليسه، وأخذ في [الإفصاح] بالحجة وإيضاح المحجَّة فقال: { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } فعمَّ أولاً بقوله: { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } ، وخصَّ ثانياً بذكر أنفسهم وآبائهم؛ لأن أقرب ما ينظر فيه العاقل نفسه وما نشأ عنه وتولد منه، مع ما في ذلك من تنبيههم على نعم الله تعالى عليهم وإحسانه إليهم.

فلما [اشتدّت] على اللعين مسالك الجواب أخذ في السفه فـ { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ }.

وقوله: " إن رسولكم " تهكّم [من] اللعين، وقد سبق ذكر أمثاله، فلم يحفل نبي الله موسى بهَذَيَان السفيه، بل أخذ في تأكيد حجته فـ { قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } يريد: مشرق النيّرين والكواكب [ومغربها]، وخصّهما بالذِّكر في جهة الاحتجاج مع دخولهما في عموم الحجة الأولى؛ لظهور دلالتهما على عظمة الله تعالى [وقدرته].

قال صاحب الكشاف: لايَنَ أولاً بقوله: " إن كنتم موقنين " ، فلما رأى منهم شدة الشكيمة في العناد وقلة الإصغاء إلى عَرْض الحُجَج خاشن وعارض: " إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون " ، بقوله: " إن كنتم تعقلون ".

ثم أخذ المخذول في تهديد موسى بعد انقطاعه وسفههه فـ { قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } أي: لأحبسنك مع من حبسته في السجن.

{ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } أي: ظاهر تعرف به صدقي، يريد: المعْجز الذي أُيِّدَ به، وفيه إضمار، تقديره: أتفعل بي ذلك.

والواو في:أوَ لَوْ: واو الحال دخلت عليه همزة الاستفهام.