الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ } * { تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } * { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } * { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } * { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

قل { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ } كذّاب معروف بالكذب، { أَثِيمٍ } فاجر.

وأما محمد فأنتم تعرفونه بالأمانة والبِرّ وصدق اللهجة، وتشهدون له بذلك من قبْل الرسالة.

قوله تعالى: { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ } في محل النصب على الحال، أو في محل الجر صفة لـ " كل أفاك ". ويجوز أن يكون كلاماً مستأنفاً، كأنه قيل: [لم تنزّلُ على] الأفّاكين؟ فقيل: يفعلون كيت وكيت.

والمعنى: يُلقون ما سمعوه إلى الكهنة.

{ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } أي: أكثر الشياطين كاذبون فيما يوحونه إليهم.

أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله: " تخطف الجن السمع فيرمون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم [يقرفون] فيه ويزيدون ".

وقيل: المعنى: وأكثر الكهنة كاذبون يفترون على الشياطين ويتقوّلون عليهم ما لم يوحوه إليهم.

قوله تعالى: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } قال ابن عباس: كان رجلان على عهد رسول الله قد تهاجيا، فكان مع كل واحد منهما غواة من قومه. فنزلت هذه الآية.

وقال ابن عباس أيضاً: يريد: [شعراء] المشركين.

قال مقاتل: منهم: عبد الله بن الزبعرى السهمي، وأبو سفيان بن الحارث، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، ومسافع بن عبد مناف الجمحي، وأبو عزة عمرو بن عبدالله، كلهم من قريش، وأمية بن أبي الصلت الثقفي، تكلموا بالكذب والباطل، وقالوا: نحن نقول مثل ما يقول محمد، واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم ويروون عنهم.

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } مجازٌ عن ذهابهم في كل فن من فنون الشعر، واعتسافهم وقلة مبالاتهم بالغلو في القول، حتى أنهم يُفضِّلُون الجبان على الشجاع، والشحيح على الجواد، ويُفسّقون العدل، ويُعدّلون الفاسق، ويقولون: فعلنا ولم يفعلوا، وقلنا ولم يقولوا، فذلك قوله: { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ }.

ويروى: أن سليمان بن عبدالملك سمع الفرزدق ينشد:
فَبتْنَ بجانبيَّ مُصَرَّعَاتٍ   وَبتُّ أفُضُّ أغلاقَ الخِتَام
فقال سليمان: قد وجب عليك الحَدُّ، فقال الفرزدق: يا أمير المؤمنين، قد درأ الله عني الحدَّ بقوله: { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ }.

قرأتُ على أبي القاسم علي بن أبي منصور الموصلي، أخبركم ابن بَوْش فأقرَّ به قال: أخبرنا أبو العز بن كادش، أخبرنا الجازري، أخبرنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثني أبو عبدالله أحمد بن فراس الشامي، حدثنا الجهم بن بدر، قال الكرماني في خَلُوب جارية الرشيد شِعْراً، فبلغ الرشيد، فوجّه إليه وأقعد الرشيد خلوب خلف سِتْر، ومرّ الكرماني بالفضل بن الربيع فقال: إن أمير المؤمنين قد وجّه إليّ فأنشده إن استنشدني، قال: نعم بعد الأمان، فلما دخل قال الرشيد: أنت الكرماني؟ قال: نعم، قال: أنشدني؟ قال: في الزهد، قال: لست هناك، قال: ففي المديح، قال: ولا، قال: فما أنشدك يا أمير المؤمنين؟ قال: شعرك في خَلُوب، قال: بعد الأمان يا أمير المؤمنين، فأنشده قوله فيها حتى بلغ:

السابقالتالي
2