الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } * { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ } * { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } * { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } * { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } * { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } * { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } * { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ } أي: قُرّبت { لِلْمُتَّقِينَ } الذين جعلوا طاعة الله حاجزة بينهم وبين المعصية، وما أزلفت لهم إلا ليتعجلوا الراحة والاغتباط بالنظر إلى ما أُعِدَّ لهم من النعيم، ومثله:وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } [ق: 31].

{ وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } كُشفت وأُظهرت لهم ليتعجلوا الشقاء والغمّ بالنظر إلى ما أُعِدَّ لهم من العذاب، كما قال:فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الملك: 27].

{ وَقِيلَ لَهُمْ } على سبيل التوبيخ: { أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ } يمنعونكم من العذاب { أَوْ يَنتَصِرُونَ } يمتنعون هم منه.

{ فَكُبْكِبُواْ فِيهَا } قال الزجاج: طُرِحَ بعضهم على بعض. وحقيقة ذلك في اللغة: تكرير الانكباب، كأنه إذا أُلقِيَ ينكبُّ مرة بعد أخرى حتى يستقرَّ فيها.

قال ابن قتيبة: أصل الحرف: " كُبِّبُوا " ، من قولك: كَبَبْتُ الإناء، فأبدل من الباء الوسطى كافاً؛ استثقالاً لاجتماع ثلاث باءات، كما قالوا: " كُمْكِمُوا " من " الكُمَّة " ، والأصل: كُمِّموا.

قال السدي: " فكبكبوا " يعني: الآلهة، { هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } يعني: المشركين.

وقال قتادة ومقاتل: الغاوون: الشياطين.

{ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } يعني: ذريته كلهم.

وقيل: أتباعه من الجن والإنس.

{ قَالُواْ } يعني: عَبَدَة الأوثان { وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } مع آلهتهم: { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }.

قال الزجاج: معناه: والله ما كنا إلا في ضلال مبين.

وقال الفراء: تالله لقد كنا.

والذي عليه حُذَّاق نُحاة البصرة: أنها المخففة من الثقيلة، على ما سبق في نظائره.

{ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } في العبادة والتعظيم.

ولقد حدثني بعض من شاهد عُبَّاد الأصنام بالهند: أن منهم من يَحُجُّ إلى الصنم الأعظم المدعو: " سُومَنَات " زاحفاً على إسْته، ومنهم من يَحُجُّ إليه زاحفاً على وجهه مسيرة شهر أو أكثر، فإذا وقع نظر الواحد منهم على القبّة التي فوق الصنم المحجوج إليه خَرَّ له ساجداً مراراً قبل وصوله إليه؛ تكريماً له وتعظيماً، فسبحان من حَجَبَ تلك القلوب عن النظر إلى أنوار دلائل التوحيد [بغير] أغشية التقليد.

{ وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي: الرؤساء الكبراء الذين كانوا يقتدون بهم في الضلال.

وقال مقاتل: يعنون: الشياطين.

{ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } يقولون ذلك إذا رأوا الأنبياء والأولياء والملائكة والعلماء يشفعون في أهل التوحيد.

{ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } قريب يودّنا ونودّه. وقد روى جابر عن النبي أنه قال: " إن الرجل يقول في الجنة: ما فعل صديقي فلان وصديقه في الجحيم؟ فيقول الله عز وجل: أخرجوا له صديقه إلى الجنة، فيقول من بقي: { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } ".

{ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } أي: رجْعة إلى الدنيا. و " لو " هاهنا في معنى التمني، كأنه قيل: فليت لنا كَرَّة. ويجوز أن تكون على أصلها، والجواب محذوف، تقديره: لفعلنا كذا وكذا.

{ فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } المُصَدِّقين بالوحدانية والرسالة.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذي قصصنا عليك من نبأ إبراهيم ومجادلة قومه { لآيَةً } لمن بعدهم ودلالة على رسالتك.