الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } * { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قال أكثر المفسرين: هو الشرك.

قال الزجاج: الزور في اللغة: الكذب، ولا كذب فوق الشرك بالله.

وروي عن ابن عباس: أنه صنم كان للمشركين.

وقال قتادة: مجالس الباطل بما يوهم أنه حق.

وقال علي بن أبي طلحة: يعني: شهادة الزور.

فعلى هذا: هو من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.

وقال محمد بن الحنفية: اللهو والغناء.

وقال الربيع بن أنس: أعياد المشركين.

وعن مجاهد: كهذين القولين.

وقال ابن جريج: هو الكذب.

وقال عمرو بن قيس: مجالس الخنا.

{ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ } وهو ما يجب أن يُلْقَى ويُطْرَح.

قال الحسن: المعاصي كلها.

وقال مجاهد ومقاتل: أذى المشركين وشتمهم.

{ مَرُّوا كِراماً } أي: مرّوا مرّ الكرماء مُعرضين عنهم، مُكرمين أنفسهم عن التوقف عليهم والخوض معهم؛ كقوله تعالى:وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } [القصص: 55].

قال عيسى: إياكم ومجالسة الخطّائين.

قوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } أي: وعظوا بالقرآن { لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً }.

قال ابن قتيبة: لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها، عميٌ لم يَرَوْها.

وقال الزجاج: تأويله: إذا تُليت عليهم خرُّوا سجداً وبكياً، سامعين مبصرين لما أُمروا به ونُهُوا عنه، ودليل ذلك قوله تعالى:وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً } [مريم: 58]. ومثل هذا من الشِّعْر:
بأيدي رجالٍ لم يَشِيمُوا سُيُوفَهُم    ولم يَكْثُرِ القتلى بها حينَ سُلَّتِ
وتقديره: بأيدي رجال شَامُوا سُيوفهم وقد كثرت القتلى.

ومعنى " لم يشيموا سيوفهم ": لم يَغْمِدُوها.

فالتأويل: والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم خرُّوا ساجدين سامعين مبصرين.

وقريب من قول الزجاج قول صاحب الكشاف: ليس هو بنفي للخرور وإنما هو [إثبات] له، ونفي للصَّمَم والعَمَى، كما تقول: لا يلقاني زيد مُسَلِّماً، هو نفيٌ للسلام لا للِّقاء.

والمعنى: أنهم إذا ذُكّروا بها أكَبُّوا عليها حرصاً على استماعها، وأقبلوا على المذَكِّر بها وهم في إكبابهم عليها سامعون بآذان واعية، مبصرون بعيون راعية.

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } قال الزمخشري: إن قلت: " مِنْ " في قوله: { مِنْ أَزْوَاجِنَا } ما هي؟

قلتُ: يحتمل أن تكون بيانيّة، كأنه قيل: هَبْ لنا قرة أعين، ثم بُينت القُرَّة وفُسِّرت بقوله: " من أزواجنا ".

قرأ الحرميان وابن عامر وحفص: " وذرِّيَّاتِنا " على الجمع. وقرأ الباقون: " وذرِّيَّتِنَا " على التوحيد.

فمن جَمَعَ حمله على لفظ الأزواج، ومن وَحَّدَ أراد الجمع أيضاً، فإن لفظ الذرية يصلح للواحد والجمع. قال الله تعالى:ذُرِّيَّةً ضِعَافاً } [النساء: 9] فاكتفى عن الجمع لما كان جمعاً.

قال الفراء: القُرَّة مصدر، تقول: قَرَّت عينُه قُرَّة.

السابقالتالي
2