قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قال أكثر المفسرين: هو الشرك. قال الزجاج: الزور في اللغة: الكذب، ولا كذب فوق الشرك بالله. وروي عن ابن عباس: أنه صنم كان للمشركين. وقال قتادة: مجالس الباطل بما يوهم أنه حق. وقال علي بن أبي طلحة: يعني: شهادة الزور. فعلى هذا: هو من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. وقال محمد بن الحنفية: اللهو والغناء. وقال الربيع بن أنس: أعياد المشركين. وعن مجاهد: كهذين القولين. وقال ابن جريج: هو الكذب. وقال عمرو بن قيس: مجالس الخنا. { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ } وهو ما يجب أن يُلْقَى ويُطْرَح. قال الحسن: المعاصي كلها. وقال مجاهد ومقاتل: أذى المشركين وشتمهم. { مَرُّوا كِراماً } أي: مرّوا مرّ الكرماء مُعرضين عنهم، مُكرمين أنفسهم عن التوقف عليهم والخوض معهم؛ كقوله تعالى:{ وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } [القصص: 55]. قال عيسى: إياكم ومجالسة الخطّائين. قوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } أي: وعظوا بالقرآن { لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً }. قال ابن قتيبة: لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها، عميٌ لم يَرَوْها. وقال الزجاج: تأويله: إذا تُليت عليهم خرُّوا سجداً وبكياً، سامعين مبصرين لما أُمروا به ونُهُوا عنه، ودليل ذلك قوله تعالى:{ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً } [مريم: 58]. ومثل هذا من الشِّعْر:
بأيدي رجالٍ لم يَشِيمُوا سُيُوفَهُم
ولم يَكْثُرِ القتلى بها حينَ سُلَّتِ
وتقديره: بأيدي رجال شَامُوا سُيوفهم وقد كثرت القتلى. ومعنى " لم يشيموا سيوفهم ": لم يَغْمِدُوها. فالتأويل: والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم خرُّوا ساجدين سامعين مبصرين. وقريب من قول الزجاج قول صاحب الكشاف: ليس هو بنفي للخرور وإنما هو [إثبات] له، ونفي للصَّمَم والعَمَى، كما تقول: لا يلقاني زيد مُسَلِّماً، هو نفيٌ للسلام لا للِّقاء. والمعنى: أنهم إذا ذُكّروا بها أكَبُّوا عليها حرصاً على استماعها، وأقبلوا على المذَكِّر بها وهم في إكبابهم عليها سامعون بآذان واعية، مبصرون بعيون راعية. قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } قال الزمخشري: إن قلت: " مِنْ " في قوله: { مِنْ أَزْوَاجِنَا } ما هي؟ قلتُ: يحتمل أن تكون بيانيّة، كأنه قيل: هَبْ لنا قرة أعين، ثم بُينت القُرَّة وفُسِّرت بقوله: " من أزواجنا ". قرأ الحرميان وابن عامر وحفص: " وذرِّيَّاتِنا " على الجمع. وقرأ الباقون: " وذرِّيَّتِنَا " على التوحيد. فمن جَمَعَ حمله على لفظ الأزواج، ومن وَحَّدَ أراد الجمع أيضاً، فإن لفظ الذرية يصلح للواحد والجمع. قال الله تعالى:{ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً } [النساء: 9] فاكتفى عن الجمع لما كان جمعاً. قال الفراء: القُرَّة مصدر، تقول: قَرَّت عينُه قُرَّة.