الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } * { يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } * { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ } السبب في نزولها: ما أخرج الشيخان في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: " سألت رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خَلَقَكَ؟ قلتُ: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قلتُ: ثم أي؟ قال: أن تُزَانِيَ [حليلة] جارك، فأنزل الله تعالى تصديقها: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ } ".

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس: " أن ناساً من أهل الشرك قَتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا رسول الله فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لَحَسنٌ، لو تخبرنا أنَّ لما عملناه كَفَّارةً، فنزلت: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ... الآية } ".

{ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } قال مقاتل: هذه الخصال، { يَلْقَ أَثَاماً }.

قال الخليل وسيبويه: جزاء الأثام.

قال ابن فارس: الأَثَامُ -مقصورٌ-: الإثم، ويقال: العقوبة. وأنشد ابن قتيبة:
جَزى اللهُ ابن عُروةَ حيثُ أمْسَى   عَقُوقاً والعُقُوقُ له أَثَامُ
وقال مجاهد وكثير من المفسرين: الأثام: واد في جهنم من دم وقَيْح.

{ يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } بشركه ومعاصيه، { وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } ذليلاً حقيراً.

قرأ الأكثرون: " يُضاعفْ ويخلُدْ " بالجزم على البدل من " يَلْقَ " ، ومثله قول الشاعر:
متى تأْتِنَا تُلْمِمْ بنا في ديارنا   تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وناراً تأجَّجَا
فأبدل: " تلمم " من " تأتنا ".

وقرأ أبو بكر عن عاصم بالرفع على الاستئناف والقطع.

وقرأ ابن كثير وابن عامر بتشديد العين وإسقاط الألف، غير أن ابن كثير جَزَمَ، وابن عامر رَفَعَ.

وقرأتُ لعاصم من رواية أبي زيد عن المفضل عنه: " ويُخْلَدْ " بضم الياء وفتح اللام والجزم.

قوله تعالى: { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } قال ابن عباس: قرأناها على عهد النبي سنتين: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ... الآية } ، ثم نزلت: { إِلاَّ مَن تَابَ... } الآية، فما رأيت رسول الله فَرِحَ بشيء فرحه بها، وبـإِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 1-2].

وقال ابن عباس: لما نزلت: { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ... } الآية قال المشركون: ما يغني عنا إسلامنا وقد عَدَلْنا بالله وقَتَلنا النفس التي حرم الله وأتينا [الفواحش]؟! فنزلت: { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً }.

{ فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } وقرأتُ لعاصم من رواية أبان عنه: " يُبْدِلُ " بسكون الباء والتخفيف.

واختلف العلماء في معنى التبديل ومتى يكون؛ فقال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير المعنى: فأولئك يُبدّل الله قبائح أعمالهم بمحاسنها، فيبدلهم بالشرك إيماناً، وبالفجور إحصاناً، [وبِقَتْلِ] المؤمنين المشركين.

السابقالتالي
2