قوله تعالى: { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } مبتدأ، خبره: { ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً }. ويجوز أن يكون " الذين يمشون " صفة لـ " عباد الرحمن " ، والخبر:{ أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ } [الفرقان: 75]. قال ابن قتيبة: نسبهم الله تعالى إليه لاصطفائه إياهم. ومعنى: " هَوْناً " مشياً رويداً، فهو صفة مصدر أو حال. قال مجاهد: يمشون بالسكينة والوقار. وقال الحسن: يمشون علماء [حلماء]. { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } قال علي بن فضال: لم ينتصب " سلاماً " على أنه حكاية، إذ لو كان حكاية لكان مرفوعاً، كما في قوله:{ قَالَ سَلاَمٌ } [هود: 69]. وإنما المعنى: أنهم قالوا قولاً يسلمون به. قال سيبويه: المعنى: قالوا سداداً من القول. قال سيبويه: ولم يؤمر المسلمون في ذلك الوقت بالقتال، قال: وهي منسوخة بآية القتال. قال علي بن فضال: لم يتكلم سيبويه في شيء من الناسخ والمنسوخ إلا في هذه الآية. قلتُ: والصحيح أنها محكمة. قال الحسن: لا يجهلون، وإذا جُهل عليهم [حَلُمُوا]. قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } قال الزجاج: كل من أدركه الليل فقد باتَ يبيتُ، نَامَ أو لم يَنَمْ، يقال: باتَ فلانٌ قَلِقاً. والمعنى: يبيتون لربهم سُجداً في الصلاة وقياماً فيها. وقال ابن عباس: من صلّى ركعتين أو أكثر بعد العشاء قد بَاتَ لله ساجداً وقائماً. قال الحسن البصري: هذا وصف نهارهم وليلهم. قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } لازماً دائماً، ومنه: الغريم؛ لإلحاحه وملازمته. وللمفسرين في معنى الغرام عبارات ترجع إلى معنى واحد، وهو الهلاك اللازم، وأنشد الزجاج:
ويومَ النِّسَارِ ويومَ الجِفَار
كانَا عَذَاباً وكانَا غَرَاما
النِّسَار والجِفَار: وقعتان من وقائع العرب، وأنشد غيره:
إنْ يُعاقِبْ يكنْ غَراماً وإن
يُعْطِ جَزيلاً فإنه لا يُبَالي
قال الحسن: كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم. { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } أي: بئست موضع قرار وموضع إقامة هي. وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم إنَّ، وجعلها خبراً لها، ونَصَبَ " مستقراً ومقاماً " على الحال أو التمييز. وقوله: " إن عذابها " و " إنها ساءت " يجوز أن يكون حكاية لقولهم، وأن يكون من كلام الله تعالى. قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } قرأ نافع وابن عامر: " يُقْتِروا " بضم الياء وكسر التاء، من أقْتَرَ يُقْتِرُ. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكسر التاء, وقرأ أهل الكوفة بفتح الياء وضم التاء. قال أبو عبيدة: هُنَّ ثلاث لغات، معناها: لم يُضَيِّقُوا في الإنفاق. { وَكَانَ } يعني: إنفاقهم { بَيْنَ ذَلِكَ } أي: بين الإسراف والإقتار { قَوَاماً } أي: عدلاً قصداً بين الغلو والتقصير، كما قال لرسوله: