الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } * { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } * { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً }

قوله تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ }: سبق تفسيره، { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } أي: معيناً للشيطان ومُظاهراً له على ربه بالعداوة.

وقيل: هو على حذف المضاف، أي: على أولياء ربه ظهيراً.

وقيل: " ظهيراً ": ذليلاً مهيناً، من قولك: ظهرتُ به؛ إذا جعلته وراء ظهركَ ولم تلتفت إليه.

وجمهور المفسرين يقولون: هو أبو جهل لعنه الله.

وقيل: يجوز أن يريد بالظَّهير: الجماعة؛ كقوله:وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [التحريم: 4]، [ويريد] بالكافر: الجنس، وأن بعضهم مظاهر لبعض على إطفاء نور الله تعالى.

قوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً } أي: مبشراً بالجنة لمن أطاعك، { وَنَذِيراً } بالنار لمن عصاك.

{ قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي: ما أطلب منكم على تبليغ ما أُرسلت به من جزاء فتتهموني [وتقولوا]: إنما أراد ما عندنا من الأموال، { إِلاَّ مَن شَآءَ } استثناء منقطع، على معنى: لكن من شاء، { أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } بإنفاق ماله في مرضاته فعل ذلك.

قال صاحب الكشاف: مثال: " إلا من شاء " ، والمراد: إلا فعل من شاء، واستثنائه عن الأجر، قول ذي شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال: ما أطلب منك ثواباً على ما سعيت لك، إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه. فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب، ولكن صوَّره هو بصورة الثواب، وسماه باسمه، فأفاد فائدتين:

إحداهما: قَلْعُ شُبْهَةِ الطمع في الثواب من أصله، كأنه يقول لك: إن كان حفظك لمالك ثواباً فإني أطلب الثواب.

والثانية: إظهار الشفقة البالغة، وأنك إن حفظت مالك اعتدَّ بحفظك ثواباً.

قوله تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يفوض أمره إليه، معتصماً به من كيد الكَفَرة ومكرهم، ومستكفياً به من شرهم، وعرّفه أن الحي الذي لا يموت، هو الذي ينبغي أن يُسْتَنَد إليه ويُعْتَمَد عليه.

قال بعض السلف: لا يصح لذي عقل أن يَثِقَ بعد هذه الآية بمخلوق، وصحبتُ شيخاً من العاملين لله [والمتنسّكين] بالعلم والمتمسكين بالورع في سفر بطريق الشام، فنزلنا قريةً فعرفه بها رجل من ذوي اليسار، فقال: أنتم الليلة أضيافي، فقال له الشيخ: وليلة غدٍ أضياف من نكون؟ يشير بذلك إلى نفي الاعتماد على من هو بعَرَضِيَّةِ الفناء والنفاد، ووجوب الاستناد في طلب القُوت إلى الحي الذي لا يموت.

وسمعتُ الشيخ أبا الخطاب بن هلال الرسعني -جدّ أولادي لأمهم- يقول: عجبتُ لمن يرائي تراباً أن يطلب منه ثواباً.

وما بعده ظاهر مفسر إلى قوله تعالى: { ٱلرَّحْمَـٰنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } ، قرأ الأكثرون: " الرحمنُ " بالرفع، وفيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه مبتدأ، خبره ما بعده، بشرط أن يكون الضمير في " به " للرحمن.

السابقالتالي
2