الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } * { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً }

قوله تعالى: { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } يتضمن إعلام الرسول بكرامته على ربه وتفضيله على سائر الرسل، حيث قَصَرَ الرسالة إلى الخلق كافة عليه؛ لتتوفر دواعيه على الشكر، ويستشعر الصبر على ما حُمّل من أعباء الرسالة وأثقال النبوة.

{ فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ } فيما يدعونك إليه [ويراودونك] عليه. وهذا من باب الإلهاب والتهييج، { وَجَاهِدْهُمْ بِهِ } أي: بالقرآن { جِهَاداً كَبيراً }.

قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } قال الزجاج: خلّى بينهما. تقول: مَرَجْتُ الدابةَ وأمْرَجْتُها؛ إذا خَلَّيْتُها تَرْعَى، ومنه الحديث: " مَرَجَتْ عهودهم وأماناتهم ".

[قال المفسرون: المعنى: أرسلهما في مجاريهما.

{ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ } مُفْرِطُ العذوبة] حتى يضرب إلى الحلاوة، { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } مفرط في الملوحة.

{ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً } حاجزاً من قدرته يمنعهما التمازج مع التمازج، وهذا من عجائب قدرة الله تعالى.

{ وَحِجْراً مَّحْجُوراً } قال الفراء: أي حراماً محرّماً أن يغلب أحدُهما صاحبه.

وقال الزمخشري: هي الكلمة التي يقولها المتعوّذ، وقد فسّرناها.

وهي هاهنا واقعة على سبيل المجاز، كأنَّ كل واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه ويقول: حجراً محجوراً، كما قال الله تعالى:لاَّ يَبْغِيَانِ } [الرحمن: 20]، فانتفاء البغي ثَمَّ كالتعوُّذ هاهنا، جعل كل واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه، فهو يتعوذ منه، وهي من أحسن الاستعارات وأشهدها على البلاغة.

قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً } قال علي عليه السلام: " النسب ": ما لا يحلّ نكاحه، و " الصِّهْرُ ": ما يحلّ نكاحه.

وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: النَّسَب سبعة، والصِّهْر خمسة، وقرؤوا:حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ } [النساء: 23] - إلى قوله تعالى -:مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ } [النساء: 23].

قال طاووس: الرضاعة من الصِّهْر.

وقال ابن قتيبة: " فجعله نسباً " أي: قَرابة النسب، " وصِهْراً " أي: قَرابة النكاح.

وقال صاحب الكشاف: قَسَمَ البشر قسمين: ذوي نسب، أي: ذكوراً يَنْتَسِبُ إليهم، فيقال: فلان بن فلانة، وفلانة بنت فلان. وذوات صِهْر، أي: إناثاً يُصاهَرُ بهنّ، ونحوه:فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [القيامة: 39].

وقال ابن سيرين: نزلت في النبي وعلي بن أبي طالب زوج فاطمة، فهو ابن عمه وزوج ابنته، فكان نسباً وصِهْراً.

{ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } لا يمتنع عليه ما أراد.

فصل

قال أهل اللغة: كل شيء من قِبَل الزوج مثل: الأب والأخ، فهم الأحْماء، واحدهم: حِمىً، مثل: قِفاً، وحَمُو مثل أبو. قال الشاعر:
.........................   هيَ ما كنَّتِي وتزعُمُ أني لها حَمُو
وحمؤ بسكون الميم والهمز، وحَمٌ مثل أبٌ، وحَمَاةُ المرأة: أمُّ زوجها، لا لغة فيها غير هذه، وكل شيء من قبل المرأة فهم الأختان، والصِّهْر يجمع ذلك كله.

وحكى ابن فارس عن الخليل قال: لا يقال لأهل بيت الرجل إلا أَخْتَان، ولأهل بيت المرأة إلا أَصْهار. ومن العرب من يجعلهم أصهاراً كلهم.

قال المعافى بن زكريا: ذهب قوم إلى التداخل والاشتراك، وهو أصح المذهبين عندي.

وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: محمدٌ النبي أخي وصهري. والنبي أبو زوجته. ويدلك على ذلك قولهم: أصهرَ فلانٌ إلى فلانٍ، وبين القوم مُصاهرة.

قال غيره: فسمّيت المناكح صِهْراً؛ لاختلاط الأنساب بها، كما يختلط الشيء إذا صُهِرَ، والصَّهَرُ: إذابة الشيء.