الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } * { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }

وما بعده مفسر في الأعراف إلى قوله تعالى: { مَآءً طَهُوراً }.

قال الأزهري: الطَّهُور في اللغة: الطَّاهِر المطهِّر، والطَّهُور: ما يُتَطَهَّر به؛ كالوضوء الذي يُتوضأ به، والفُطور الذي يُفْطَرُ عليه.

{ لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } وقرأتُ لأبي جعفر: " مَيِّتاً " بالتشديد، هنا وفي الزخرف وقاف.

فإن قيل: فما بالُ الصفة غايرت الموصوف فجاءت بلفظ التذكير، والموصوفُ مؤنثٌ؟

قلتُ: البلدة في معنى البلد أو المكان، والمعنى: لنحيي به بلداً ميتاً بالجدب فيصير مُهْتَزَاً بأنواع النبات.

قال كعب: المطر روح الأرض.

" ونَسْقِيَه " بفتح النون، من سقى وأسقى.

وقد سبق القول عليه في الحِجْر.

والمعنى: نُسقي من ذلك بعض الذي خلقنا.

ثم فسّر ذلك البعض فقال: { أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً }.

فإن قيل: لم خصَّ الأنعام من بين سائر الحيوانات بالذِّكْر؟

قلت: لأنها معظم أموالهم، ومتعلق آمالهم، ومادة متاعهم، وانتفاعهم في سهلهم وبقاعهم، فكان الإنعام عليهم بسقي الأنعام التي لهم، كالإنعام عليهم بسقيهم.

فإن قيل: لم بدأ بذكر الأنعام وقدَّمه على الأناسي؟

قلت: لأنها السبب في بقائهم، فكان [لها] مرتبة التقديم في الذِّكْر، أو لأنها إذا سُقيت لأجلهم كانوا هم أولى وأجدر أن يُسْقَوا.

قال الزجاج: الأناسي: جمع إنْسِي، مثل: كُرْسي وكَرَاسِي. ويجوز أن يكون جمع إنسان، وتكون الياء بدلاً من النون، الأصل: أنَاسِين، مثل: سَرَاحين.

فعلى هذا الوجه الثاني الذي ذكره الزجاج؛ يكون قد أدغم الياء في الياء.

قال الزمخشري: ونحوه: ظرابيّ في ظَرِبان، على قلب النون ياء، والأصل: ظَرَابِين.

{ وَنُسْقِيَهُ } وقرأتُ لعاصم من رواية المفضل عنه: قلتُ: الظَّرِبَان: دُويبةٌ شديدٌ نتنُ ريحها، وقد قيل: إنها إذا وصلت إلى معاطن الإبل تفرّقت الإبل من نَتْنِها، وإن مَرّ بها إنسان وقت إرسالها الريح عبقت الرائحة بثوبه حتى يَخْلُق، وأنشدوا:
كأنَّ ريحَ دَبِراتٍ خَمْسِ   وظَربَانٌ بينهن يَفْسِي
ريحُ ثَناياها بُعيدَ النَّعْس

وقد قرأ أبو مجلز: " وأناسِيَ " ، بحذف ياء أفاعيل، كقولك: أناعم في أناعيم.

قوله تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } أي: صرَّفنا المطر بين الأناسي مرة لهؤلاء [ومرة لهؤلاء] ليتفكروا في قدرتي وعظمتي فيحذروا، وفي نعمتي عليهم وإحساني إليهم فيشكروا.

وقرأ حمزة والكسائي: " ليذكروا " بالتخفيف، { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }.

قال جمهور المفسرين: هم الذين يقولون: مُطِرْنا بنَوْء كذا وكذا.

قال الزجاج: جعلهم بذلك كافرين.

قال صاحب الكشاف: إن كان لا يراها إلا من الأنواء ويجحد أن تكون هي [والأنواء] من خلق الله: فهو كافر، وإن كان يرى أن الله تعالى خالقها وقد نصب الأنواء دلائل وأمارات عليها: لم يكفر.

وفي الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني قال: " صلى لنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ".