الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } * { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } * { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ } إلى صُنْع ربك وقدرته، { كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } أي: بسطه، والمراد بالظل هاهنا: ما كان منه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

{ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } مقيماً لا يزول ولا يتحرك بطلوع الشمس، { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً }؛ لأن الأشياء تُعْرَف بأضدادها، فلولا الشمس ما عُرف الظل، ولولا النور ما عُرفت الظُّلْمَة.

وقيل: معنى كون الشمس دليلاً: أن الناس يستدلّون بها في مسيرها على أحوال الظل من كونه ثابتاً في مكان، وزائلاً ومتّسعاً ومتقلّصاً، فيبْنُون على حسب حاجاتهم إلى الظل.

{ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ } أي: قبضنا الظل بطلوع الشمس { إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } أي: خفياً على مهل، فتنسخه الشمس شيئاً فشيئاً لمصالح العباد، ولو قُبِضَ دفعة واحدة لتعطلت أكثر منافع الخلق بالظل والشمس جميعاً.

قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً } ساتراً بظلمته الأشياء مشتملاً عليها اشتمال اللباس على لابسه { وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً }.

قال الزجاج: السُّبَات: أن ينقطع عن الحركة والتروُّح في بدنه، أي: جعل نومكم راحةً لكم.

{ وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } قال ابن عباس: ينتشرون فيه لابتغاء الرزق.

وقال الزمخشري: السُّبات: الموت، والمسْبُوت: الميت؛ لأنه مقطوع الحياة، وهذا كقوله:وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ } [الأنعام: 60].

فإن قلت: هلاَّ فسرته بالراحة؟

قلتُ: النشور في مقابلته يأباه إباء العَيُوف الورد وهو مُرنّق.

قلتُ: والعَيُوف: الناقة الكارهة للماء، والمُرنّق: المكدّر. يقال: في عيشه ترنِيق، أي: تكدير.

وعلى التحقيق: لم يأت الزمخشري بشيء؛ لأنه إن أراد حقيقة الموت فذاك محال، وإن أراد به الموت المجازي، فهو الذي قاله الزجاج وغيره، وإطلاق اسم الراحة عليه من باب تسمية الشيء بما يلازمه ويجاوره، والتفسير المذكور في النشور يعكر على أصل مقصوده بالإبطال؛ لأنه [رام] المقابلة بين الموت والحياة، فإذا لم يفسر النشور بها انحلّت الرابطة بينهما، على أني أقول: المقصود من هذه السياقة امتنان الله تعالى على عباده بالنِّعَم المذكورة، فإذا فُسِّر السُّبات بالموت مع قطع النظر عما ذكرناه اختلَّ المعنى وبطل المقصود، فتفهَّم ذلك.