الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } * { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } * { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً }

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يريد: كفار قريش.

وقيل: اليهود.

{ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } كما نزّل التوراة والإنجيل، و " نزِّلَ " هاهنا بمعنى: " أنْزِل "؛ كخُبِّرَ بمعنى: أُخْبِر، وإلا كان متناقضاً، وهذا أيضاً من جملة اقتراحاتهم الدالة على عنَتِهِم، وهو أحد الأسباب التي كانوا يتعللون بها إذا شَرِقُوا بالحق الواضح، وراموا معارضته بالشبهة الباطلة.

قوله تعالى: { كَذَلِكَ } متعلق بفعل مضمر، أي: أنزلناه كذلك مُنجماً، { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } أي: لنُقوِّي به قلبك حتى تَعيه وتحفظه، فاللام من صلة الفعل المضمر، والكاف صفة المقدَّر الذي دَلَّ عليه " أنزلناه ". هذا قول أبي إسحاق الزجاج والأكثرين.

وقال الفراء: التقدير: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك الكتاب، يريد: التوراة، فالكاف من صلة قوله: " لولا نُزِّلَ " أي: لولا نزل مثل ذلك التنزيل، فقال الله تعالى: { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ }.

قال أبو الحسن الأصبهاني صاحب كشف المشكلات على هذا القول: اللام عنده في " لنثبت " لام القسم، والنون معها مقدّرة تظهرُ إذا فُتحت، وتسقط إذا كُسرت.

وعندي: أن اللام متعلقة بما دل عليه قولهم: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة، معناه: لِمَ أُنزلَ متفرقاً؟ فقال: لنثبت به فؤادك.

{ وَرَتَّلْنَاهُ } عطف على محذوف، تقديره: فرقناه ورتبناه ورتلناه، { تَرْتِيلاً } أي: جئنا به آية بعد آية، وطائفة بعد طائفة، على حسب الوقائع والحوادث على ما تقتضيه حكمتنا.

{ وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } أي: يجيئونك بمثل يضربونه لك عند الخصام ليتوصَّلُوا به إلى إطفاء نور رسالتك، { إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } بالأمر الثابت الصحيح الذي تَنْقَادُ له العقول المطلقة من قيد الهوى لنردّ به كذبهم، { وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } بياناً وكشفاً.

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ } قال مقاتل: هم كفار مكة قالوا لمحمد وأصحابه: هم شر خلق الله، فقال الله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً } من سبيل المؤمنين وطريقهم.

ويجوز أن يراد بالمكان: الشرف والمنزلة؛ ليكون مطابقاً لسبب النزول؛ لأن الحامل للكفار على قولهم احتقار المؤمنين.

أخبرنا المؤيد بن محمد الطوسي في كتابه، أخبرنا عبدالجبار بن محمد بن أحمد الخواري، أخبرنا علي بن أحمد النيسابوري، حدثنا محمد بن إبراهيم المحاملي، أخبرنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، أخبرنا أحمد بن حنبل، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا شيبان، عن قتادة، عن أنس: " أن رجلاً قال: يا نبي الله! كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: إن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر أن يُمشيه على وجهه يوم القيامة " هذا حديث صحيح أخرجه البخاري عن عبدالله بن محمد، عن يونس بن محمد. وأخرجه مسلم أيضاً.