قوله تبارك وتعالى: { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } " الفرقان ": القرآن، وهو مصدر فَرَقَ بين الشيئين؛ إذا فَصَلَ بينهما، فسُمِّي بذلك؛ لأنه فَرَّقَ بين الحق والباطل. وقرأ ابن الزبير: " على عباده " ، وهي قراءة صحيحة. المعنى: لأن الفرقان وإن كان منزلاً على محمد وحده، لكنه منزل على العباد باعتبار أنه نُزّل عليهم لمصالحهم، كما قال:{ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [الأنبياء: 10]. { لِيَكُونَ } يعني: محمداً. وقيل: القرآن. والأول أظهر، والقائلون به أكثر. { لِلْعَالَمِينَ } الجن والإنس { نَذِيراً } منذراً مخوفاً من عذاب الله. قوله تعالى: { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } جائز أن يكون في محل الرفع على البدل من { ٱلَّذِي نَزَّلَ } ، وجائز أن يكون في محل النصب على المدح، ولا يقال على وجه الرفع فُصِلَ بين البدل والمبدل منه؛ لأنا نقول: لم نفصل بينهما؛ لأن المبدل منه صلته " نزَّلَ ". وقوله: " ليكون " تعليل له، وكأن المبدل منه لم يتم إلا به. { وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } كما زعم أهل الكتابين والمشركون، { وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } أحدثه وأوجده، { فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } أي: هَيّأه وسَوّاه لما يصلح له. وقال أكثر المفسرين: المعنى: فقدَّر له تقديراً من الأجل والرزق. ثم ذكر ما صنعه المشركون بعد أن أنار لهم براهين وحدانيته وعظيم سلطانه فقال: { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } يعني: الأصنام { لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } أي: دفع ضر عنها ولا جلب نفع إليها. { وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً وَلاَ نُشُوراً } أي: لا تميت أحداً ولا تحييه ولا تنشره بعد موته.