الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } * { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } * { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } * { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } * { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ } عطف على قوله:يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ } [الفرقان: 22].

قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: " تشّقق " بتشديد الشين، وقرأ الباقون بتخفيفها.

فمن شدّد قال: الأصل: " تَتَشَقَّق " ، ثم أدغم التاء في الشين. ومن خفّف حذف التاء الثانية استخفافاً؛ لاجتماع المِثْلَين ولم يُدغِم.

قال ابن عباس وغيره: المعنى: أن السماء تتفتَّح بغمام يخرج منها تَنزلُ فيه الملائكة، وهو غمام أبيض رقيق مثل الضباب. ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تِيههم، وهو الذي قال الله عز وجل:هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ } [البقرة: 210].

قال الفراء: المعنى: تَشَقَّقُ السماء [عن] الغمام، وعلى وعن والباء في هذا الموضع بمعنى واحد؛ لأن العرب تقول: رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس، والمعنى واحد.

وقال أبو علي الفارسي: المعنى: تشَقَّق السماء وعليها غمام. كما تقول: ركب الأمير بسلاحه وخرج بثيابه. أي: وعليه سلاحه.

وقال الزمخشري: لما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها، جعل الغمام كأنه الذي تُشَقُّ به السماء.

{ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ } لإظهار العدل وبأيديهم صحائف أعمال العباد { تَنزِيلاً }.

وقرأ ابن كثير: " ونُنْزِلُ " بنونين مع التخفيف، من الإنْزال، " الملائكةَ " بالنصب.

{ ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ } قال الزجاج: المعنى: المُلْكُ الذي هو الملك حقاً للرحمن.

وقال غيره: { ٱلْحَقُّ }: الثابت؛ لأن كل مُلْك يزول يومئذ ويبطل، ولا يبقى إلا مُلْكَه سبحانه وتعالى.

{ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } صعباً شديداً عظيم المشقة.

وفي تخصيص ذلك بالكافرين بشارة ظاهرة بسهولة ذلك اليوم على المؤمنين. وفي الحديث: " أن يوم القيامة يهون على المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة صلاّها في دار الدنيا ".

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ } عطف على ما قبله.

قال ابن عباس وأكثر المفسرين: " الظالم ": عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس. والألِفُ [واللام] للعهد. ويجوز أن تكون للجنس، فيشمل عقبة وغيره.

قال عطاء: يأكل يديه [حتى] يذهبا إلى المرفقين، ثم يَنْبُتان فلا يزال هكذا، كلما نبتت يداه أكلهما ندامة على ما فعل.

وقيل: عضّ اليدين مَجاز عن نهاية الحسرة والندامة.

{ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ } يعني: محمداً { سَبِيلاً } طريقاً إلى الهدى والنجاة من الرَّدى.

{ يَٰوَيْلَتَىٰ } وقُرئ: " يا ويلتي " بالياء على الأصل.

{ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } يعني: أمية بن خلف. وقيل: أُبيّ بن خلف.

{ لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي } قال مجاهد وأكثر المفسرين: سبب نزول هذه الآية: " أن عقبة بن أبي معيط دعا قوماً فيهم رسول الله لطعام، فأكلوا، وأبى رسول الله أن يأكل، فقال: لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فشهد بذلك عقبة، فبلغ ذلك أُبيّ بن خلف، وكان خليلاً له، فقال: صَبَوْتَ يا عقبة؟ فقال: لا والله ما صبوت، ولكنه أبى أن يأكل طعامي وهو في بيتي، فاستحييتُ أن يخرج من منزلي لم يَطْعَم من طعامي، فقلت ذلك وليس من نفسي، فقال: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً فلم تطأ قفاه وتبزُق في وجهه وتلطم عينه، فوجده يوماً ساجداً، فنالَ منه بعض ما أراد، فقال له رسول الله: لا ألقاك خارجاً من مكة إلا قتلتك، فقتله رسول الله يوم أُحُد ".


السابقالتالي
2