الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } * { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } قرأ ابن عامر: " نحشرهم " ، { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ } بالنون فيهما. وقرأ ابن كثير وحفص: " يحشرهم... فيقول " بالياء فيهما. وقرأ الباقون: " نحشرهم " بالنون، " فيقول " بالياء.

فمن قرأهما بالياء حمله على قوله:كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ } [الفرقان: 16]، ومن قرأ: " نحشرهم " بالنون " فيقول " بالياء، فقد أفرد بعد أن جمع. ومن قرأهما بالنون أجراهما على لفظ الجمع للواحد العظيم.

قال مجاهد: " وما يعبدون من دون الله " يعني: عيسى وعزيراً والملائكة.

وقال عكرمة والضحاك: يعني: الأصنام.

قال ابن السائب: يُنطقها الله.

ويجوز أن يكون عامّاً في الجميع.

قال صاحب الكشاف: إن قلت [كيف] صح استعمال " ما " في العقلاء؟

قلتُ: هو [موضوع] على العموم للعقلاء وغيرهم، بدليل قولك إذا رأيت شبحاً من بعيد: ما هو؟ فإذا قيل لك: إنسان، قلت: مَنْ هو؟

{ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ } فأمرتموهم بعبادتكم { أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } والمقصود من هذا السؤال: تبكيت العابدين وتوبيخهم، وإظهار فضيحتهم، وزيادة حسرتهم عند تبرُّئهم منهم.

{ قَالُواْ سُبْحَانَكَ } نزَّهُوا الله تعالى أن تكون معه آلهة، أو هو خارج مخرج التعجب مما قيل لهم، { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ } أي: ما يصحُّ ولا يصلح لنا { أن نتخذ من دونك } أولياء ونعبدهم.

المعنى: فكيف يصح لنا أن نُحمِّلَ غيرنا على أن يتولّونا دونك.

وقرأتُ على الشيخين أبي البقاء العكبري وأبي عمرو الياسري لأبي جعفر: " أن نُتخَذ " بضم النون وفتح الخاء، على البناء للمفعول، وهي قراءة زيد بن ثابت وأبي الدرداء وزيد بن علي وجعفر بن محمد ومجاهد وأبي عبدالرحمن السلمي والحسن وقتادة.

ثم ذكروا سبب تركهم الإيمان فقالوا: { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ } أطلْتَ أعمارهم ووسّعت أرزاقهم، { حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ } تركوا القرآن فلم يؤمنوا به ولم ينزجروا بمواعظه، { وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } قال ابن عباس: هلكى.

قال أبو عبيدة: يقال: رجلٌ بورٌ وقومٌ بورٌ، لا يُجمع ولا يُثنّى، وأنشد قول ابن الزبعرى:
يا رسولَ المليكِ إنّ لساني   رَاتِقٌ ما فَتَقْتُ إذ أنا بُور
قال: وقد سمعنا برجل بَائِر، ورأيناهم ربما جمعوا فاعلاً على فُعْل، نحو: عائذٍ وعُوْذ.

قال المفسرون: فيقال حينئذ للكفار: { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } أي: قد كذبكم المعبودون في قولكم أنهم آلهة.

وقرأت لابن كثير من رواية ابن شنبوذ عن قنبل: " بما يقولون " بالياء، أي: كذبوكم بقولهم: { سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ }.

{ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ } أي: فما يستطيع المعبودون { صَرْفاً } للعذاب عنكم { وَلاَ نَصْراً } لكم.

وقيل: المعنى: فلا يستطيع الكفار صرفاً للعذاب عنهم ولا نصراً لأنفسهم.

وقرأ حفص: " تستطيعون " بالتاء، على معنى: فما تستطيعون أيها الكفار صرفاً للعذاب عنهم.

وحكى ابن قتيبة عن يونس البصري أنه قال: الصَّرفُ: الحيلة، من قولهم: إنه يتصرَّف، أي: يحتال.

{ وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ } بالشرك { نُذِقْهُ } وقرأ عاصم الجحدري والضحاك وأبو الجوزاء: " يذقه " بالياء، على معنى: يذقه الله تعالى، أو يذقه الظلم، { عَذَاباً كَبِيراً } عظيماً شديداً.