الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } * { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً } * { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } * { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } * { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } * { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } * { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً }

{ وَقَالُواْ } يعني: المشركين { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ } سَمُّوهُ رسولاً على وجه السخرية منهم والطَّنْز، كقول فرعون:قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [الشعراء: 27].

{ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } أنكروا أن يكون الرسول بشراً يأكل ويتردد في الأسواق لطلب المعيشة.

يعنون: أنه يجب أن يكون مَلَكاً مستغنياً عن ذلك.

ثم تنزلوا إلى اقتراح كون الرسول بشراً مصحوباً بمَلَك يعينه ويشهد بصدقه، فذلك قولهم: { لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً }.

ثم تنزلوا إلى اقتراح رسول يُلقى إليه كنز من السماء يغنيه عن التردد في الأسواق.

ثم تنزلوا إلى اقتراح رسول له بستان يأكل منه يُغنيه عن المَشْي في الأسواق ابتغاء الرزق، فذلك قوله: { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا }.

قال المفسرون: قالوا للنبي: سَلْ ربك أن يبعث معك مَلَكاً يُصدِّقُكَ بما تقول حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولاً، ويجعل لك جناناً وقصوراً وكنوزاً يغنيك بها عن طلب المعيشة، فنزلت هذه الآية.

وقرأ حمزة والكسائي: " نَأْكُلُ منها " بالنون.

قال أبو علي: المعنى: يكون له علينا مزيَّة في الفضل بأكلنا من جنّته.

وما بعده سبق تفسيره إلى قوله: { وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً }.

قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر: { ويجعلُ } بالرفع على الاستئناف والإخبار بأن الله يجعل ذلك لرسوله لا محالة. وقرأ الباقون بالجزم، عطفاً على موضع " جعل ".

{ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } المعنى: بل أتَوْا بأعجب من ذلك، وهو تكذيبهم بالساعة مع وضوح آياتها وظهور [بيّناتها]، { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً }.

{ إِذَا رَأَتْهُمْ } أنَّثَ حملاً على المعنى؛ لأن السعير: النار المتلظّية، والرؤية هاهنا مَجاز، ومعناها: المقابلة، حتى كأنها تراهم، وقريب منه قوله عليه الصلاة والسلام: " لا تتراءا ناراهما ".

ومنه قولهم: داري تنظر إلى دارك.

{ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } قال السدي ومقاتل: من مسيرة خمسمائة عام.

{ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } أي: سمعوا صوت غليانها، وشبّه ذلك بصوت المتغيظ.

وقال الزجاج: غليان تَغَيُّظٍ.

قال عبيد بن عمير: إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى نبي مرسل ولا مَلَكٌ مُقَرَّب إلا خرّ لوجهه.

وقال بعض المفسرين: المعنى: سمعوا فيها تغيُّظَ المعذّبين وزفيرهم.

وقيل: يجوز أن يكون المعنى: إذا رأتهم الزبانية تغيظوا وزفروا غضباً على الكفار وشهوة للانتقام منهم.

{ وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً } قال المفسرون: تضيق عليهم كما يضيق الزُّجُّ على الرمح.

{ مُّقَرَّنِينَ } موثّقين في السلاسل والأغلال، أو مقرّنين مع شياطينهم، { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } الثّبور: الهلاك، ودعواه أن يقال: وا ثُبوراه.

{ لا تدعوا } على إضمار القول، تقديره: فيقال لهم: لا تدعوا { اليوم ثبوراً واحداً } يشير إلى أن هلاكهم أكثر من أن يدعوه مرة واحدة.

وفي مسند الإمام أحمد رضي الله عنه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله قال: " أول من يُكسى حلة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه، ويسحبها من خلفه ذريته من بعده وهو ينادي: وا ثبوراه، وهم ينادون: يا ثبورهم، حتى يقفوا على النار فيقول: يا ثبوراه، ويقولون: يا ثبورهم، فيقال لهم: { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً } ".