الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ }

قوله تعالى: { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } فتجعلوا رجوعكم عن مجمعه بغير إذن كغيره من المجامع.

وقال ابن عباس: معناه: احذروا دعاء رسول الله عليكم إذا أسخطتموه، فإن دعاءه موجِب، ليس كدعاء غيره.

وقال مجاهد وقتادة: المعنى: لا تدْعُوه كما يدعوا بعضكم بعضاً: يا محمد، ولكن فخّموه وشرفوه، وقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله، في لِين وتواضع.

وقرأ الحسن: " لا تجعلوا دعاء الرسول نبيّكم " ، أبدل " النبي " من " الرسول ".

{ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } قال الزمخشري: أدخل " قد " ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة [عن الدين والنفاق]، ومرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد، وذلك أن " قد " إذا دخلت على المضارع كانت بمعنى: " ربما " فوافقت ربما في خروجها إلى معنى التكثير في نحو قوله:
فإنْ يُمْسِ مَهجُور الفِنَاءِ فربما    أقامَ به بعدَ الوُفُود وفُود
ونحوه قول زهير:
أخِي ثِقةٍ لا تُهْلِكِ الخمْرَ مالَه    ولكنه قد تُهْلِكُ المالَ نائلُه
والتَّسلُّل: الخروج في خفية.

واللواذ: الملاوَذة، وهو أن يَلُوذ الواحد منهم بغيره ليستتر به عند تسلله.

ونصبها على الحال، أي: يتسللون مُلاوذين.

قال المفسرون: كان المنافقون تثقل عليهم خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما تشتمل عليه من الطعن عليهم وذكر مثالبهم وما أعدّ لهم من العذاب، فإذا أمكنت الواحد منهم الفرصة والخروج في خفية فَعَل.

{ فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } قال مجاهد: عن أمر الله.

وقال قتادة: عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال الأخفش: " عن " زائدة.

وقال غيره: المعنى: يعرضون عن أمر دينه وطاعته.

{ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } كفر وضلالة.

وقال مجاهد: بلاء في الدنيا.

وقال جعفر بن محمد: سلطان جائر يُسلّط عليهم.

{ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة.

وقيل: القتل في الدنيا.

وقيل: زلازل وأهوال.

ثم عظّم سبحانه وتعالى نفسه فقال: { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } يعني: خَلْقاً ومُلْكَاً وعِلْمَاً، فكيف يخفى عليه تسلّلهم وأحوالهم.

{ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } من الإيمان والنفاق وغيرهما، { وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ } يعني: القيامة، { فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ } من الخير والشر ويجازيهم عليه، { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ } من أعمالهم وغيرها { عَلِيمُ }.