الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ }

قوله تعالى: { لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } السبب في نزول هذه الآية: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجّه غلاماً من الأنصار يقال له: مدلج بن عمرو، إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فرأى عمر على حالٍ كَرِهَ عمر أن يُرى عليها، فقال عمر: يا رسول الله! وددت أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان، فنزلت هذه الآية)).

والمعنى: ليستأذنكم في الدخول عليكم الذين ملكت أيمانكم من العبيد والإماء.

قال عطاء: ذلك على كل كبير وصغير.

وقال القاضي أبو يعلى رحمه الله: الأظهر أن يكون المراد: " العبيد ": الصغار و " الإماء ": الصغار؛ لأن العبد البالغ بمنزلة الحر البالغ في تحريم النظر إلى مولاته، فكيف يضاف إلى الصبيان الذين هم غير مكلفين؟.

{ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ } أي: من أحراركم من الرجال والنساء { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } يريد: في اليوم والليلة.

ثم بيّنها فقال: { مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ } لأنه وقت القيام من المضاجع، وطرح ثياب النوم، ولبس ثياب اليقظة، { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ } لأنه مظنة حَلّ الأُزُر ووقت وضع الثياب للقائلة، { وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ } لأنه وقت التجرد من الثياب المعدة لليقظة، والدخول في ثياب النوم، وإيواء الرجل إلى زوجته.

{ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ } قرأ أهل الكوفة إلا حفصاً: " ثلاثَ " بالنصب، بدلاً من " ثلاث مرات ". وقرأ الباقون بالرفع، على معنى: هذه الأوقات ثلاث عورات لكم.

وسُمّيت هذه الأوقات عورات؛ لأنها مظنة ظهور العورة فيها.

وأصل العورة: الخَلَل، ومنه: أعْوَرَ المكان، وأعْوَرَ الفارس. والأعور: المختلُّ العَيْن، فسميت هذه عورات؛ لاختلال تَسَتُّرِ الناس وقلّة تحفُّظِهم فيها.

ثم عذَرَهم في ترك الاستئذان فيما عدا هذه الأوقات الثلاث فقال: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ } أيها المؤمنون الأحرار { وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ } إثم ولا حرج { بَعْدَهُنَّ } أي: بعد مُضِيِّ الأوقات الثلاث في ترك الاستئذان، وهذا تمام الكلام.

ثم قال: { طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ } أي: هم طَوَّافون عليكم للخدْمة، أو أنتم طوافون، { بَعْضُكُمْ } بدل من الضمير الذي في " طوّافُون " ، أي: يطوف بعضكم { عَلَىٰ بَعْضٍ } ، وهذا خارج مخرج التعليل لجواب ترك الاستئذان؛ لأن البعضية تُوجبُ المخالطة والتَّطْواف.

{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ } أي: مثل هذا البيان الواضح يبين الله { لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بما يُصلحكم، فاتبعوا أمره وأطيعوه، { حَكِيمٌ } فارْعَوُوا عما نهاكم عنه واجتنبوه.

فصل

ذهب أكثر العلماء إلى القول بإحكام هذه الآية، قيل للشعبي: أمنسوخة هي؟ قال: لا والله ما نُسخت؟ قلت: إن الناس لا يعملون بها، فقال: الله المستعان.

وقال سعيد بن جبير: والله ما نُسخت، ولكنها مما يتهاونُ به الناس.

وروي عن سعيد بن المسيب: أنها منسوخة بالآية التي بعدها، وهو قوله تعالى: { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ }.

السابقالتالي
2