قوله تعالى: { لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } السبب في نزول هذه الآية: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجّه غلاماً من الأنصار يقال له: مدلج بن عمرو، إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فرأى عمر على حالٍ كَرِهَ عمر أن يُرى عليها، فقال عمر: يا رسول الله! وددت أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان، فنزلت هذه الآية)). والمعنى: ليستأذنكم في الدخول عليكم الذين ملكت أيمانكم من العبيد والإماء. قال عطاء: ذلك على كل كبير وصغير. وقال القاضي أبو يعلى رحمه الله: الأظهر أن يكون المراد: " العبيد ": الصغار و " الإماء ": الصغار؛ لأن العبد البالغ بمنزلة الحر البالغ في تحريم النظر إلى مولاته، فكيف يضاف إلى الصبيان الذين هم غير مكلفين؟. { وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ } أي: من أحراركم من الرجال والنساء { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } يريد: في اليوم والليلة. ثم بيّنها فقال: { مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ } لأنه وقت القيام من المضاجع، وطرح ثياب النوم، ولبس ثياب اليقظة، { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ } لأنه مظنة حَلّ الأُزُر ووقت وضع الثياب للقائلة، { وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ } لأنه وقت التجرد من الثياب المعدة لليقظة، والدخول في ثياب النوم، وإيواء الرجل إلى زوجته. { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ } قرأ أهل الكوفة إلا حفصاً: " ثلاثَ " بالنصب، بدلاً من " ثلاث مرات ". وقرأ الباقون بالرفع، على معنى: هذه الأوقات ثلاث عورات لكم. وسُمّيت هذه الأوقات عورات؛ لأنها مظنة ظهور العورة فيها. وأصل العورة: الخَلَل، ومنه: أعْوَرَ المكان، وأعْوَرَ الفارس. والأعور: المختلُّ العَيْن، فسميت هذه عورات؛ لاختلال تَسَتُّرِ الناس وقلّة تحفُّظِهم فيها. ثم عذَرَهم في ترك الاستئذان فيما عدا هذه الأوقات الثلاث فقال: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ } أيها المؤمنون الأحرار { وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ } إثم ولا حرج { بَعْدَهُنَّ } أي: بعد مُضِيِّ الأوقات الثلاث في ترك الاستئذان، وهذا تمام الكلام. ثم قال: { طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ } أي: هم طَوَّافون عليكم للخدْمة، أو أنتم طوافون، { بَعْضُكُمْ } بدل من الضمير الذي في " طوّافُون " ، أي: يطوف بعضكم { عَلَىٰ بَعْضٍ } ، وهذا خارج مخرج التعليل لجواب ترك الاستئذان؛ لأن البعضية تُوجبُ المخالطة والتَّطْواف. { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ } أي: مثل هذا البيان الواضح يبين الله { لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بما يُصلحكم، فاتبعوا أمره وأطيعوه، { حَكِيمٌ } فارْعَوُوا عما نهاكم عنه واجتنبوه. فصل ذهب أكثر العلماء إلى القول بإحكام هذه الآية، قيل للشعبي: أمنسوخة هي؟ قال: لا والله ما نُسخت؟ قلت: إن الناس لا يعملون بها، فقال: الله المستعان. وقال سعيد بن جبير: والله ما نُسخت، ولكنها مما يتهاونُ به الناس. وروي عن سعيد بن المسيب: أنها منسوخة بالآية التي بعدها، وهو قوله تعالى: { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ }.