الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله تعالى: { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } قرأ حمزة والكسائي: " خالِقُ " بالألف وكسر اللام ورفع القاف، على اسم الفاعل، " كُلِّ " بالجر على الإضافة، كقوله:ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [الرعد: 16]، وقرأ الباقون: " خَلَقَ كلَّ " على صيغة الفعل الماضي، ونصبوا كلاً؛ لأنه مفعول " خَلَقَ " ، وهذا كقوله:أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } [إبراهيم: 19]، وقوله:وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [الأنعام: 101]. والمعنى: كل دابة من الحيوان المشاهَد، فيخرج من ذلك الملائكة والجن، " مِنْ مَاء " يعني: النطفة.

ثم غَلَّبَ من يعقل فقال: { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ }؛ كالحيات والحيتان، { وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ } كابن آدم، { وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ } كالأنعام والبهائم. فانظر إلى هذا الترتيب البديع الدَّال على العلم والحكمة، كيف بدأ أولاً بما هو أدل على القدرة الإلهية، وأعجب في إتقان الحكمة، وهو الماشي بغير آلة مشاهدة، ثم بالماشي على رجلين، ثم بالماشي على أربع.

فإن قيل: لم سمي الزحف على البطن مَشْيَاً؟

قلت: على وجه الاستعارة، كقولهم: فلان لا يتمشّى له أمر، وقولهم للشيء المستمر: ماشٍ. وهذا معنى قول الزجاج.

قال أبو عبيدة: جاز ذلك لكون الزاحف على بطنه خُلط بالماشي على قوائمه، فصار مثل قولهم: أكلتُ خُبْزاً ولَبَناً، ولا يقال: أكلت لبناً.

{ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } من هذه الأنواع وغيرها، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } يعني: على إنشاء كل شيء من هذه الأشياء وغيرها { قَدِيرٌ }.