الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ } الرَّمي: القَذْف بالزنا، والإحصان المشترط في المقذوفة والمقذوف الذي يتوقف [وجوب] الحدّ به على القاذف ما جمع خمسة أوصاف: الحرية، والإسلام، والعقل، والعفّة عن الزنا، وأن يكون المقذوف ممن يُجَامِعُ أو يَجَامَعُ مثله.

وقال مالك في الصَّبِيَّة؛ كقولنا.

واشترط أبو حنيفة والشافعي: البلوغ، وهو رواية عن إمامنا.

وقد ذكر الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي رضي الله عنه في زاد المسير في تفسير هذه الآية: أن شرائط الإحصان عندنا أربعة: البلوغ، والحرية، والعقل، والوطء في نكاح صحيح.

فأما الإسلام فليس بشرط في الإحصان. وهذا [سهوٌ] بلا شك، فإن هذه الأوصاف شرائط الإحصان الذي يتوقف وجوب الرجم على الزاني [أو الزانية] عليه.

قوله تعالى: { ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } أي: بأربعة رجال عُدُول أحرار يشهدون بالزنا، { فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } أي: اجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة عقوبة له على جنايته، وزجراً له عن ارتكاب مثلها، وإظهاراً لبراءة المقذوف مما رماه به.

ثم نهى الله عز وجل عن قبول شهادتهم، مُعَلِّلاً ذلك بما أكَّده من عظيم فِسْقِهِم فقال: { وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }.

فصل

هذه الآية دالة على أن القاذف إذا لم تقم البينة بما قال؛ يجب عليه الجلد، وتُرَدُّ شهادته على الأبد، ويثبُتُ فِسْقُه.

واختلفوا: هل يثبت فسقه بمجرد القذف، أم يتوقف على وجود الحد؟

فذهب علماؤنا والشافعي إلى ثبوته إذا لم تَقُم البينة وإن لم يُحَدّ.

وقال أبو حنيفة ومالك: لا يثبت فسْقُه ولا تُرَدُّ شهادته حتى يقام عليه الحد.

فصل

ألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية؛ فالصريح قوله: يا زاني، يا عاهر، ونحو ذلك مما لا يحتمل غير القذف. فمتى وجد ذلك فهو قاذف. ولا يقبل قوله بما يحيله، [وإن قال]: يا لوطي، أو يا مَعْفُوج، فهو صريح.

وقال الخرقي: إذا قال: أردت أنك من قوم لوط فلا حَدَّ عليه.

قال شيخنا أبو محمد ابن قدامة رضي الله عنه: وهذا بعيد.

وإن قال: أردت أنك تعمل عمل قوم لوط غير إتيان الرجال، احتمل وجهين.

وإن قال: لست بولد فلان، فقد قذف أمه، وله المطالبة إن كانت أمه ميتة، حُرَّةً كانت أو أمَة، مسلمة أو كافرة إذا كان هو حُرّاً مسلماً.

وقال أبو بكر عبد العزيز: لا يحدّ بقذف ميتة.

وإن قال: زَنَتْ يداك أو رجلاك، فهو صريح عند أبي بكر.

وقال ابن حامد: ليس بصريح. وهو الصحيح.

وأما الكناية قوله للمرأة: قد فَضَحْتِ زوجَكِ ونَكَّسْتِ رأسه، وجَعَلْتِ له قُرُوناً، وأَفْسَدْتِ فِرَاشَهُ، أو يا قَحْبَة، أو قوله لمن يخاصمه: يا حلال ابن الحلال، ما يعرفك الناس بالزنا.

السابقالتالي
2 3