الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ }

ثم ضرب مثلاً لأعمال الكفار فقال: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } " الذين " مبتدأ " كفروا " صلة له، " أعمالهم " مبتدأ ثان، خبره " كسراب " ، والجملة خبر الموصول.

والسراب: هو ما يُرى في الفَلاة من ضوء الشمس وقت الظهيرة على بُعدٍ، يتلألأ كأنه ماء.

قال ابن قتيبة: والآلُ: ما رأيتَه في أول النهار وآخره. والقِيعَة والقاع واحد.

وقال الزجاج: القِيعَة: جمع قاع، مثل: جَارٍ وجِيرَة، وهو ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات، وفيه يكون السراب.

{ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ } وهو العطشان الشديد العَطَش { مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً }. كذلك الكافر يُقدّم أعمالاً يعتقد نفعها عند الله، ثم يَخيبُ في العاقبة أمله، ويرى خلاف ما حسب وقدّر.

{ وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ } أي: جزاء حسابه، أو موجب حسابه، { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } مُفسّر في البقرة عند قوله:أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [الآية: 202].

قوله تعالى: { أَوْ كَظُلُمَاتٍ } قال أكثر المفسرين: هذا المَثَل لأعمال الكفار أيضاً.

قال الزجاج: أعلم الله عز وجل أن أعمال الكفار إن مُثِّلَتْ بما يوجد فمَثَلُها كمَثَلِ السَّراب، وإن مُثِّلَتْ بما يُرَى فهو كهذه [الظلمات] التي وَصَفَ.

وقيل: هذا مَثَلٌ لقلوب الكفار وتراكم الرَّينِ عليها.

{ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ } عظيم اللُّجَّة.

قال ابن عباس والأكثرون: هو العميق الذي يبعد عُمْقُه.

{ يَغْشَاهُ مَوْجٌ } أي: يعلو ذلك البحر اللجي مَوْج، { مِّن فَوْقِهِ } أي: من فوق الموج { مَوْجٌ }. والمعنى: أنه يتبع الموج موج، فهو لعظم هيجه واضطراب موجه كأنه فوقه، من فوق ذلك الموج { سَحَابٌ }.

ثم ابتدأ فقال: { ظُلُمَاتٌ } يعني: ظُلمة البحر وظلمة الموج الأول وظلمة الموج الذي فوقه وظلمة السحاب.

وقرأتُ على شيخنا أبي البقاء النحوي لابن كثير من رواية قنبل والشافعي عنه: " ظُلُمَاتٍ " بالجر، بدلاً من " ظلمات " الأولى.

وقرأتُ عليه له من رواية البزي وابن فليح: " سحابُ " بالرفع من غير تنوين، " ظلماتٍ " بالجر على الإضافة.

أضاف السحاب إلى الظلمات؛ لتكوّنها وظهورها عندها.

{ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ } يعني: إذا أخرج الواقع في البحر اللجي الموصوف بهذه الأوصاف يده { لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا }.

وقيل: الضمير يعود إلى مضاف محذوف، تقديره: أو كذي ظلمات.

قوله تعالى: { لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } تأكيد لشدة الظلمة، ونفي لمقاربة الرؤية.

قال الحسن: لم يَراها ولم يقارب الرؤية.

قال الفراء: لأن أقل من هذه الظلمات لا يرى فيه الناظر يده.

وقال المبرد: المعنى: لم يَرها إلا بعد الجهد.

قال الفراء: وهذا كما تقول العرب: ما كدت أبلغ إليك، وقد بلغت. وهذا وجه العربية.

{ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً } قال ابن عباس: دِيناً وإيماناً، { فَمَا لَهُ مِن نُورٍ }.

وزعم مقاتل: أن هذه الآية نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية، وكان يلتمس الدين في الجاهلية، ولبس المسوح، ثم كَفَرَ بالإسلام لما بُعث محمد صلى الله عليه وسلم.

فصل

قال بعض المفسرين: أراد بالظلمات: أعمال الكافر، وبالبحر اللُّجّي: قلبه، وبالموج: ما يغشى قلبه من الجهل والشك، وبالسَّحاب: الختم والرَّين على قلبه.

وقيل: المراد بالظلمات: ظلمة الشرك وظلمة المعاصي.

قال أبي بن كعب في هذه الآية: الكافر يتقلب في خمسةٍ من الظُّلَم، فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره في الظلمات يوم القيامة في النار.