قوله تعالى: { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال ابن عباس: الله هادي أهل السماوات والأرض. ويحقق هذا المعنى: أن النور هو الضياء الذي تتبين به الأشياء، والله سبحانه نور باعتبار أن الهدى من عنده. قال ابن قتيبة: معناه: بنوره يهتدي مَنْ في السماوات والأرض. وقيل: الله ذو نور وصاحب نور السماوات والأرض. وقرأ أبي بن كعب: " اللهُ نَوَّر " بالتشديد، وجعله فعلاً ماضياً، " السماوات " مفعول، " والأرض " بالنصب عطف على المفعول. { مَثَلُ نُورِهِ } قال ابن عباس: مثل نور الله في قلب المؤمن، وهو القرآن والهدى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. { كَمِشْكَاةٍ } وفي قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب: " مثل نور من آمن به كمشكاة " ، وهي الكُوَّة التي لا تَنْفُذ. { فِيهَا مِصْبَاحٌ } أي: سِراج. { ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } وقُرئ بالحركات الثلاث على [الزاي]. قال ابن جني: في الزجاجة ثلاث لغات: زُجاجة، وزِجاجة، وزَجاجة، [وفي] الجميع: زُجاج، وزِجاج، [وزَجاج]. قال الزجاج: النور في الزُّجاج وضوء النار فيه، أبْيَنُ منه في كل شيء. ثم وصف الزجاجة فقال: { كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } قرأ أبو عمرو والكسائي: " دِرِّيء " بكسر الدال والمد والهمز. وقرأ حمزة وأبو بكر كذلك إلا أنهما ضمَّا الدال. وقرأ الباقون بضمّ الدال وتشديد الياء من غير مدّ ولا همز. قال أبو علي: تحتمل هذه القراءة أن تكون نسبة إلى [الدُّرِّ]؛ لفرط ضيائه ونوره، كما أن الدُّرَّ كذلك. قال: ومن قرأ بكسر الدال والهمزة كان فِعِّيلاً من الدَّرْء، مثل: السِّكِّير والفِسِّيق. والمعنى: أن الخفاء يدفع [عنه] لتلألئه في ظهوره، فلم يَخْفَ كما خفي، نحو السُّها، وما لم يُضِئ من الكواكب. قال: ومن قرأ: " دُرِّيءُ " بضم الدال والهمز، كان فُعِّيلاً من الدَّرْء، وهو الدفع. قلت: قد أنكر هذه القراءة الفراء والزجاج والمبرد وقالوا: ليس في كلام العرب فِعِّيل. قوله تعالى: { تَوَقَّد } قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح التاء والواو والدال مع تشديد القاف، جعلاه فعلاً ماضياً على معنى: توقد المصباح. وقرأ أهل الكوفة إلا حفصاً بضم التاء والدال مع التخفيف، جعلوه فعلاً مستقبلاً لم يُسم فاعله على معنى: تُوقَدُ الزجاجة. قال الزجاج: المقصود: مصباح الزجاجة، فحذف المضاف. وقرأ الباقون: { يُوقَدُ } بياء مضمومة مع التخفيف وضَمِّ الدال، على معنى: يُوقَدُ المصباح. { مِن شَجَرَةٍ } أي: من زيت شجرة { مُّبَارَكَةٍ } وهي شجرة الزيتون. والذي يدلك على [المضاف] المحذوف قوله: { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ }. ومعنى بركتها: [كثرةُ] منافعها؛ لأن الزيت إدامٌ ودهانٌ ودباغٌ وشفاءٌ من كثير من الأمراض، وثَفَلُها وحَطَبُها [وقودٌ]، ويُغسل برماده الإبريسم، إلى غير ذلك من المنافع. ثم وصفها فقال: { زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } أي: هي ضاحية للشمس لا يسترها شجر ولا جبل ولا كهف، فإذا طلعت الشمس أصابتها، وإذا غربت أصابتها، فزيتُها يكون أصفى.