الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }

قوله تعالى: { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال ابن عباس: الله هادي أهل السماوات والأرض.

ويحقق هذا المعنى: أن النور هو الضياء الذي تتبين به الأشياء، والله سبحانه نور باعتبار أن الهدى من عنده.

قال ابن قتيبة: معناه: بنوره يهتدي مَنْ في السماوات والأرض.

وقيل: الله ذو نور وصاحب نور السماوات والأرض.

وقرأ أبي بن كعب: " اللهُ نَوَّر " بالتشديد، وجعله فعلاً ماضياً، " السماوات " مفعول، " والأرض " بالنصب عطف على المفعول.

{ مَثَلُ نُورِهِ } قال ابن عباس: مثل نور الله في قلب المؤمن، وهو القرآن والهدى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

{ كَمِشْكَاةٍ } وفي قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب: " مثل نور من آمن به كمشكاة " ، وهي الكُوَّة التي لا تَنْفُذ.

{ فِيهَا مِصْبَاحٌ } أي: سِراج.

{ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } وقُرئ بالحركات الثلاث على [الزاي].

قال ابن جني: في الزجاجة ثلاث لغات: زُجاجة، وزِجاجة، وزَجاجة، [وفي] الجميع: زُجاج، وزِجاج، [وزَجاج].

قال الزجاج: النور في الزُّجاج وضوء النار فيه، أبْيَنُ منه في كل شيء.

ثم وصف الزجاجة فقال: { كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } قرأ أبو عمرو والكسائي: " دِرِّيء " بكسر الدال والمد والهمز. وقرأ حمزة وأبو بكر كذلك إلا أنهما ضمَّا الدال. وقرأ الباقون بضمّ الدال وتشديد الياء من غير مدّ ولا همز.

قال أبو علي: تحتمل هذه القراءة أن تكون نسبة إلى [الدُّرِّ]؛ لفرط ضيائه ونوره، كما أن الدُّرَّ كذلك.

قال: ومن قرأ بكسر الدال والهمزة كان فِعِّيلاً من الدَّرْء، مثل: السِّكِّير والفِسِّيق. والمعنى: أن الخفاء يدفع [عنه] لتلألئه في ظهوره، فلم يَخْفَ كما خفي، نحو السُّها، وما لم يُضِئ من الكواكب.

قال: ومن قرأ: " دُرِّيءُ " بضم الدال والهمز، كان فُعِّيلاً من الدَّرْء، وهو الدفع.

قلت: قد أنكر هذه القراءة الفراء والزجاج والمبرد وقالوا: ليس في كلام العرب فِعِّيل.

قوله تعالى: { تَوَقَّد } قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح التاء والواو والدال مع تشديد القاف، جعلاه فعلاً ماضياً على معنى: توقد المصباح.

وقرأ أهل الكوفة إلا حفصاً بضم التاء والدال مع التخفيف، جعلوه فعلاً مستقبلاً لم يُسم فاعله على معنى: تُوقَدُ الزجاجة.

قال الزجاج: المقصود: مصباح الزجاجة، فحذف المضاف.

وقرأ الباقون: { يُوقَدُ } بياء مضمومة مع التخفيف وضَمِّ الدال، على معنى: يُوقَدُ المصباح.

{ مِن شَجَرَةٍ } أي: من زيت شجرة { مُّبَارَكَةٍ } وهي شجرة الزيتون.

والذي يدلك على [المضاف] المحذوف قوله: { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ }.

ومعنى بركتها: [كثرةُ] منافعها؛ لأن الزيت إدامٌ ودهانٌ ودباغٌ وشفاءٌ من كثير من الأمراض، وثَفَلُها وحَطَبُها [وقودٌ]، ويُغسل برماده الإبريسم، إلى غير ذلك من المنافع.

ثم وصفها فقال: { زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } أي: هي ضاحية للشمس لا يسترها شجر ولا جبل ولا كهف، فإذا طلعت الشمس أصابتها، وإذا غربت أصابتها، فزيتُها يكون أصفى.

السابقالتالي
2