الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

ثم إن الله تعالى أمر النساء بما أمر به الرجال فقال: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } فلا يحلّ للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سُرّته وفوق ركبته.

وروي عن الإمام أحمد رضي الله عنه رواية أخرى: أنه لا يجوز لها النظر إلى الأجنبي حذراً من الافتتان.

و " لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أمّ سلمة وميمونة بالاحتجاب من ابن أم مكتوم، فقالتا: يا رسول الله! أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ فقال: أفعمياوان أنتما، ألستما تُبصرانه؟ "

فإن قيل: لم قَدَّمَ الأمر بغضّ الأبصار على الأمر بحفظ الفروج وهو أهمّ؟

قلتُ: قدَّمه؛ لعموم البلوى فيه، وقلة التحرز منه، وكونه بريد الفجور، والوسيلة العظمى إلى ارتكاب المحظور.

قوله تعالى: { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } اعلم أن الزينة ما تتزين به المرأة، وتنقسم إلى قسمين: زينةٍ خفيةٍ وزينةٍ ظاهرةٍ. فأما الزينة الخفية فلا يجوز إبداؤها للأجانب في حال التزين بها؛ كالسِّوَارين والدُّمْلُج والخَلْخَال والقُرْط والقِلادَة.

وأما الزينة الظاهرة المستثناة في الآية فيجوز إبداؤها للأجانب.

وقد اختلف العلماء فيها؛ فذهب ابن مسعود من الصحابة والإمامان أحمد والشافعي من الفقهاء: إلى أنها الثياب.

وقد سمَّاها الله تعالى زينة في موضع آخر فقال:خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } [الأعراف: 31]، فيجوز للأجنبي النظر إلى ثوب المرأة ما لم يكن رقيقاً يَصِفُ البشرة.

وقال ابن عباس: هي الكحل والخاتم.

وزادها مجاهد: الخضاب.

وقال ابن عباس في رواية أخرى: هي الكف والوجه.

فإن قيل: إذا فُسِّرت الزينة بالحلي، فما الحكمة في النهي عن إبدائه؟

قلتُ: مبالغة في الأمر بالتستر، وليعلم أن النظر إذا لم يحلّ إلى الزينة لملابستها تلك المواضع، كان النظر إلى تلك المواضع أكثر إثماً وأكبر جُرماً.

قوله تعالى: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } الخُمُر: جمع خِمَار، وهو: ما تُغطي به المرأة رأسها.

أمر الله سبحانه وتعالى النساء أن يَسْدُلْنَ مَقَانِعَهُنَّ على جُيوبهن لِيَسْتُرن قِرْطَتَهُنَّ وأعناقَهنَّ وصُدورَهنّ.

{ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } يعني: الخَفِيَّة { إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } أي: أزواجهن، { أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ } يريد: إخوتهن، { أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ } يعني: المسلمات.

قال الإمام أحمد: لا يحلّ للمسلمة أن تكشف رأسها عند نساء أهل الذمة، واليهودية والنصرانية لا تقبّلان المسلمة.

وقيل: المراد بنسائهن وما ملكت أيمانهن: مَنْ صَحِبْنَهُنَّ وخَدَمْنَهُنَّ من الحرائر والإماء، فالنساء كلهن سواء في حِلّ نظر بعضهن إلى بعض.

وعلماؤنا يقولون: المراد بما ملكت أيمانهن: الإماء دون العبيد.

قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا ينظر العبدمن مولاته غير الوجه والكفين.

وقال أصحاب الشافعي: يجوز للمرأة أن تُظهر لمملوكها البالغ ما تُظهر لمحارمها.

السابقالتالي
2