الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قال الله تعالى: { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } وقرأ جماعة، منهم: أبو رزين، ومحبوب، عن أبي عمرو: " سورةً " بالنصب.

فمن رَفَعَ فعلى معنى: هذه سورة. و " أنزلناها " صفة لـ " سورة ".

وقال الأخفش: " سورة " ابتداء وخبره في " أنزلناها ".

وردَّ هذا القول الزجاج وغيره؛ لأن النكرة لا يُبتدأ بها إلا إذا وُصفت، وإن جعل " أنزلناها وفرَّضْنَاها " بقي المبتدأ بلا خبر. وجوّز بعضهم أن تكون " سورة " مبتدأ، والخبر مُضْمَر، تقديره: فيما يتلى عليكم سورة أنزلناها، ولا يجوز أن يُقدّر هذا الخبر متأخراً؛ لأن خبر النكرة يتقدم عليها، نحو قولك: في الدار رجلٌ وله مالٌ، ولا يَحْسُن: رجلٌ في الدار ومالٌ له؛ لقلة الفائدة فيه.

ومن نصبَ فعلى معنى: أنزلنا سورة، أو: اقرأ سورة أنزلناها.

{ وفَرَّضْنَاها } قرأ ابن كثير وأبو عمرو: " وفَرَّضناها " بالتشديد، على معنى: كثَّرنا فرائضها، أو فصَّلنا وبيَّنا ما فيها من الفرائض. وقرأ الباقون بالتخفيف، على معنى: فَرَضْنَا ما فيها وألزَمْنا العمل بها. قال أبو علي: التخفيف يصلح للقليل والكثير. ومن حجَّة التخفيف قوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ } [القصص: 85]، والمعنى: أحكام القرآن وفرائض القرآن، كما أن التي في سورة النور كذلك.

وأصل الفَرْض في اللغة: التأثير والحَزّ، ومنه: فُرْضَةُ النَّهر والقَوْس، ثم اتُسع فيه حتى استعمل في معنى الواجب المقطوع به.

{ وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } سبق تفسيره.

قوله تعالى: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } قرأ الأكثرون: " الزانيةُ " بالرفع على الابتداء. وقرأ جماعة منهم أبو رزين وعيسى بن عمر: " الزانيةَ " بالنصب، واختاره الخليل وسيبويه، على معنى: " اجلدوا الزانية ".

وقال الزجاج: الرفع أقوى في العربية؛ لأن المعنى: من زنى فاجلدوه، فتأويله الابتداء.

فإن قيل: لم قَدَّم الزانية على الزاني، والمُذَكَّر أبداً يُقَدَّم، وباعتبار ذلك قُدِّمَ السارق على السارقة؟

قلتُ: العرب أبداً تُراعي الأهم فتبدأ به، وذكْرُ الزانية أهم من الزاني؛ لأن عارها بالزنا أكثر، وحرصها عليه أشد، وقبحه في حقها أغلظ، [وقدرتها] عليه أتم، وباعتبار ذلك قُدِّمَ السارق؛ لأن العار والقبح في حقه أشد، وحرصه على السرقة أكثر، وقدرته عليها أتم.

قوله تعالى: { فَٱجْلِدُواْ } معنى الجَلْد: ضرب الجِلْد، يقال: جَلَدَهُ؛ إذا ضَرَبَ جِلْدَهُ، مثل: رأسه، إذا ضرب رأسه وبطنه.

فصل

قال بعض [علمائنا]: هذه الآية تقتضي وجوب الجَلْد على البِكْر والثَّيِّب، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حق البكر زيادةً على الجلد بتغريب عام، وفي حق الثيب زيادة على الجلد [بالرجم] بالحجارة؛ فروى عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

السابقالتالي
2 3