الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } * { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } * { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } أي: لولا أن الله تفضَّل عليكم ورحمكم { فِي ٱلدُّنْيَا } بالإمهال للتوبة، { وَ } في { ٱلآخِرَةِ } بالعفو والمغفرة، { لَمَسَّكُمْ } أيتها العُصْبَة { فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ } أي: بسبب ما خضتم فيه من قذف الصدّيقة { عَذَابٌ عَظِيمٌ }.

ثم ذكر الوقت الذي لولا فضله ورحمته لأصابهم فيه العذاب العظيم فقال: { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ }.

ويحتمل عندي: أن يكون الظرف للإفاضة، على معنى: لمسّكم عذاب عظيم في العاجل والآجل فيما أفضتم فيه وقت تلقيكم الإفك [بالقبول] غير منكريه ولا مكذبيه.

قال الزجاج: المعنى: يُلقيه بعضكم إلى بعض.

وقرأ ابن مسعود: " تَتَلقونه " بزيادة تاء على الأصل.

وقرأ عمر بن الخطاب: " تُلْقُونَه " بضم التاء وإسكان اللام وضم القاف وتخفيفها، من الإلقاء.

وقرأ معاوية: " تَلْقَوْنَه " بفتح التاء والقاف، من اللِّقاء.

وقرأ أبيّ بن كعب وعائشة ومجاهد: " تَلِقُونَه " بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف مع التخفيف أيضاً، من الوَلَق، وهو الإسراع في الكذب.

قال الزجاج: يقال: وَلَق يلِقُ؛ إذا أسرع في الكذب وغيره. وقال الشاعر:
.......................     جَاءَتْ به عَنْسٌ من الشام تَلِقْ
أي: تُسرع. والعَنْسُ: الناقة.

{ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } قال الزمخشري: إن قلت: ما معنى قوله: [ " بأفواهكم " ] والقول لا يكون إلا بالفم؟

قلتُ: معناه أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب، فيُتَرجم عنه اللسان، وهذا الإفك ليس إلا قولاً يجري على ألسنتكم ويدور في أفواهكم [من غير ترجمة عن علم به في القلب].

{ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً } سهلاً وصغيرة من الصغائر، { وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } في الإثم وكبيرة من الكبائر.

جزع بعضهم عند الموت، فقيل له في ذلك؟ فقال: إني أخاف ذنباً لم يكن مني على بال وهو عند الله عظيم.

من تلمَّحَ هذه القصة: علم أن الله تعالى وصف أهل الإفك وذمهم بارتكاب ثلاثة آثام:

أحدها: تلقِّي الإفك وإشاعته.

والثاني: القول بغير علم.

والثالث: استصغارهم لعظيم ما جاؤوا به من البَهْتِ والقذف لأم المؤمنين، وما في ضمن ذلك من أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذى صِدِّيقه أبي بكر رضي الله عنه.

قوله تعالى: { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ } أي: ما ينبغي لنا { أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ } تعجب من عظيم هذا الأمر.

قال صاحب الكشاف: الأصل في ذلك: أن يُسَبِّحَ الله تعالى عند رؤية العَجَبِ من صنائعه، ثم كَثُرَ حتى استُعمل في كل مُتعجَّبٍ منه، أو لتنزيه الله من أن تكون حُرْمَةُ نبيّه فاجرة.

ويروى أيضاً: أن امرأة أبي أيوب قالت له: ألم تسمع ما يتحدث الناس؟ فقال: ما يكون لنا أن نتكلم [بهذا]، سبحانك هذا بهتان عظيم، [فنزلت هذه الآية.

وقال سعيد بن جبير: لما سمع سعد بن معاذ ذلك قال: سبحانك هذا بهتان عظيم]، فقيل للناس: هلا قلتم كما قال سعد بن معاذ.

قوله تعالى: { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ } قال مجاهد: نهاكم الله. { أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ } أي: لمثل هذا القذف { أَبَداً }. وقوله: { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } تهييج لهم وتنبيه على أن من شأن المتَّصِفِ بالإيمان أن يهجر المعصية ويفعل الطاعة.

{ وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ } وهي الدلالات على علمه [وحُكْمه] وحلمه بما نزّل من الشرائع والآداب الجميلة، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بالأشياء { حَكِيمٌ } في تصاريف القضاء.