الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } * { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ }

قوله تعالى: { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } أي: هلا إذ سمعتموه أيتها العصبة الكاذبة قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، { ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً }.

قال الحسن: بأهل دينهم؛ لأن المؤمنين كنفس واحدة.

قال المبرد: ومثله قوله تعالى:فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [البقرة: 54]، وكذلك قوله تعالى:وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [الحجرات: 11].

{ وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } كَذِبٌ ظاهر.

وروي: أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه قالت له أمه: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ فقال: هذا إفك مبين، أكنتِ يا أماه فاعلته؟ قالت: معاذ الله، قال: فعائشة والله خير منك، فنزلت هذه الآية.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا قيل: لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم؟ ولم [عَدَلَ] عن الخطاب إلى الغيبة [وعن الضمير إلى الظاهر]؟

قلتُ: ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات، وليُصرّح بلفظ الإيمان، دلالةً على أن الاشتراك فيه مُقتَضٍ أن لا يُصدِّقَ مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول غائب ولا طاعن، وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع قَالَةً على أخيه أن يبني الأمر فيها على الظن لا على الشك، وأن يقول بملء فيه بناء على ظنه بالمؤمن [من الخير]: " هذا إفك مبين ". وهذا من الأدب الحسن الذي قلّ القائم به والحافظ له، وليْتَكَ تجد من يسمع فيسكت ولا يُشيع ما سمعه بأخواتٍ.

قوله تعالى: { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ } أي: هلاَّ جاؤوا على قذفهم عائشة { بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ } أي: في حكمه { هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ }.

قلتُ: وما أوضح الدليل في هذه الآية وأبينه على وجوب تكذيب القاذف إذا لم يُقِم البيّنة ولو كان صادقاً في نفس الأمر؛ لأن الله تعالى قد جعل الفصل بين الرمي الصادق والكاذب إقامة البينة وعدم إقامتها.