الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } * { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }

قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } قال الزمخشري: " حتى " تتعلق بـ: " يصفون " ، أي: لا يزالون على سوء الذِّكر إلى هذا الوقت.

والآية فاصلة بينهما على وجه الإعراض والتأكيد للإغضاء عنهم، مستعيناً بالله على الشيطان أن يستزله عن الحلم ويغريه على الانتصار منهم، أو على قوله:وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [الأنعام: 28].

{ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } أي: رُدُّوني إلى الدنيا. والخطاب لله بلفظ الجمع للتعظيم، كما قال:
فإنْ شِئْتُ حرَّمتُ النساءَ سِواكُم     .....................
وقيل: استغاث أولاً بالله، ثم رجع إلى مسألة الملائكة، وهذا مروي عن [ابن] جريج.

وقال المازني: جمع الضمير ليدل على التكرار، فكأنه قال: رب ارجعن رب ارجعن رب ارجعن.

والمعنى: أن الكافر إذا أيقن بالموت واطَّلع على حقيقة الأمر، أدركته الحسرة والندامة على ما فرّط في جنب الله، وسأل ربه أن يرجعه ليستدرك ما فاته من الإيمان والأعمال الصالحة، فذلك قوله: { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً }.

قال ابن عباس: لعلي أشهد أن لا إله إلا الله.

قال قتادة: أما والله ما تمنى أن يُرْجَعَ إلى أهل ولا عشيرة، ولكنه تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله، فانظروا أمْنِيَةَ الكافر فاعملوا فيها.

وقوله: { فِيمَا تَرَكْتُ } قال ابن عباس: فيما مضى من عمري.

وقال مقاتل: فيما تركت من العمل الصالح.

وقيل: فيما تركت من المال.

{ كَلاَّ } أي: لا يرجع إلى الدنيا.

وقيل: هو رَدْعٌ عن طلب الرجعة.

{ إِنَّهَا } يعني: مسألته الرجعة { كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا } أي: كلمة هو يقولها ولا فائدة له فيها.

وقيل: المراد بالكلمة: الطائفة من الكلام المنتظم بعضه مع بعض، وهي قوله: { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } ، هو قائلها لا محالة لا يسكت عنها؛ لاستيلاء الحسرة عليه، وتسليط الندم.

{ وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ } أي: ومن أمامهم وبين أيديهم برزخ.

قال الزجاج: البرزخ في اللغة: الحاجز، وهو هاهنا ما بين موت الميت وبعثه.

قال الزمخشري: أي: أمامهم حائل بينهم وبين الرجعة { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ، وليس المعنى: أنهم يُرجعون يوم البعث، إنما هو إقناط كُلِّي لما عُلم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة.