الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } * { رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } * { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } * { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } * { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ }

قوله تعالى: { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } الفاء في قوله: " فلا تجعلني " جواب الشرط. وقوله: " رب " اعتراض بين الشرط [والجزاء] بالنداء.

قال صاحب الكشاف: " ما " والنون مؤكدتان، أي: إن كان لا بد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة " فلا تجعلني " قريناً لهم ولا تعذبني بعذابهم.

قال الحسن: أخبره الله تعالى أن له في أمته [نقمة] ولم يخبره أفي حياته أم بعد موته، فأمره أن يدعو بهذا الدعاء.

فإن قلت: كيف يجوز أن يجعل الله نبيه المعصوم مع الظالمين، حتى يطلب أن لا يجعله معهم؟

قلتُ: يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله، وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله؛ إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه وإخباتاً له، واستغفاره صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه سبعين أو مائة مرة لذلك. وما أحسن قول الحسن في قول أبي بكر رضي الله عنه: ((وُلّيتكم ولست بخيركم)): كان يعلم أنه خيرهم، ولكن المؤمن يهضم نفسه.

ثم أخبر أنه قادر على ذلك بقوله: { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ }.

ثم أمره بالصبر إلى انقضاء الأجل المضروب لعذابهم فقال: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ } قال ابن عباس: ادفع بلا إله إلا الله الشرك.

وقال الحسن: ادفع إساءة المسيء بالصفح.

وبعض المفسرين يقول: هذه منسوخة بآية السيف، كأنه أمره بالإعراض عن المشركين والصفح والتجاوز عن أذاهم حتى ينقضي الأجل المضروب لهم.

والصحيح: أنها محكمة؛ لأنها حضت على المداراة، والمداراة مشروعة ما لم تُفْضِ إلى ارتكاب محظور في الدين، أو إزراء بمروءة.

{ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } من الكفر والتكذيب، وأقدر على مجازاتهم، ومع ذلك لم يعاجلهم بالعقوبة. فجدير بك سلوك سبيل المحاسنة.

قوله تعالى: { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } الهمز في اللغة: الدفع. وهمزات الشياطين: دفعهم المكلفين بالإغواء إلى المعاصي وإغراؤهم بها بالتحسين والتزيين.

قال الزجاج: واحد الهمزات: هَمْزَة، وهو مسُّ الشيطان، ويجوز أن تكون نَزَغَات الشيطان.

ونَزْغُ الشيطان: وسوسته حتى يشتغل عن أمر الله.

{ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } أي: يشهدون في شيء من أموري. كأنه أمر أن يسأل ربه العصمة من الشيطان أن يناله بسوء.

وقال ابن عباس: أن يحضرون عند تلاوة القرآن.

وقال عكرمة: عند النزع. كأنه أمر بالاستعاذة منهم خوفاً من النزغ عند النزع.