الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }

قوله تعالى: { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ } يريد: الجوع الذي أصاب أهل مكة سبع سنين بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم.

قال ابن عباس رضي الله عنه: جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه ذلك، فنزلت هذه الآية والتي بعدها.

قوله تعالى: { لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي: لتمادوا في تمردّهم في كفرهم يتحيرون، ولذهب عنهم ترقُّقُهُم بين يديك وتملُّقُهم إليك.

قال صاحب الكشاف: ثم استشهد على ذلك بأنا أخذناهم أولاً بالسيوف وبما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم وأسْرِهم، [فما] وُجِدَتْ منهم بعد ذلك استكانة ولا تَضَرُّع، حتى فتحنا عليهم باب الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل وهو أَطَمُّ العذاب، فأُبلِسُوا وخضعت رقابهم، وجاء أعتاهم وأشدهم شكيمة في العناد يستعطفك. وقال غيره: { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ } هو الجوع والضر الذي أصابهم، { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ } أي: ما تواضعوا لربهم وما انقادوا، { وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } يرغبون إليه في الدعاء.

واختلفوا في " استكانوا "؛ فقيل: هو استفعل من السُّكُون، والمعنى: ما طلبوا الكَوْن على صفة الخضوع.

وقيل: هو من السُّكُون، إلا أن الفتحة أُشْبِعَتْ، فنشأت منها ألف فصار: اسْتَكَانَ، وهو على هذا: افتعلوا. قال الشاعر في إشباع الفتحة:
فأنتَ من الغوائلِ حين تُرْمَى    ومنْ كَرَم الرِّجال بمنْتَزاح
أي: بمُنْتَزَح.

قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ } متعلق بما قبله، على معنى: ولقد أخذناهم بكل عذاب ومحنّاهم بكل محنة، فما [وُجد] منهم خضوع ولا رجوع، حتى إذا فتحنا عليه باباً ذا عذاب شديد، وهو عذاب جهنم، { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } آيِسُون من كل خير.

وقد سبق ذكره في الأنعام.

وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: " مُبْلَسُون " بفتح اللام.

وقال ابن عباس: العذاب الشديد: ما أصابهم من القتل والأسر يوم بدر.

وقال مقاتل: هو الجوع الذي أصابهم.