الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } * { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ }

قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } يعني: القرآن، فيعرفوا ما فيه من البيان الدال على صدقه في نفسه وصدق المرْسَل به.

[وفي] قوله: { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } وجهان:

أحدهما: أنه استفهام في معنى التوبيخ والتقرير.

قال ابن عباس: يريد: أليس قد أرسلنا نوحاً وإبراهيم والنبيين إلى قومهم، فكذلك بعثنا محمداً إلى قومه.

فعلى هذا؛ المراد بآبائهم: إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان.

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " " لا تسبُّوا مُضَرَ ولا ربيعة، فإنهما كانا مُسْلِمَين " ، و " لا تَسُبُّوا الحارث بن كعب، ولا أسد بن خزيمة، ولا تميم بن مرة، فإنهم كانوا على الإسلام [وما شككتم فيه من شيء فلا تَشُكُّوا في أن تُبَّعاً كان على الإسلام] " ".

الثاني: أن " أمْ " بمعنى: " بلْ " ، تقديره: بل جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين، فلذلك أنكروه وكذبوه، كقوله:لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } [يس: 6].

وقيل: معنى الآية: أفلم يدبروا القول فيخافوا عند تَدَبُّر أقاصيصه ومواعظه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين، أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم.

قوله تعالى: { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ } معناه: أم لم يعرفوا رسولهم محمداً صلى الله عليه وسلم وصحة نسبه وكرم عنصره ورجاحة عقله وظهور صدقه وأمانته { فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }.

والمقصود من هذه الآية: تقريعهم وتوبيخهم بالإعراض عنه بعدما عرفوا ذلك منه.

{ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } أي: جنون، وكانوا رموه بذلك بهتاناً وعناداً حين لم يجدوا للحق الذي جاءهم به مدفعاً، { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ } الذي لا تخفى صحته، { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }.

قال صاحب الكشاف: إن قلت قوله: " وأكثرهم " فيه أن أقلّهم كانوا لا يكرهون الحق؟

قلت: كان فيهم من يترك الإيمان به أنَفَةً واستنكافاً من توبيخ قومه وأن يقولوا: صَبَأ وترك دين آبائه، لا كراهة للحق، كما يُحكى عن أبي طالب.

فإن قلت: يزعم بعض الناس أن أبا طالب صَحَّ إسلامه؟

قلتُ: يا سبحان الله! كأن أبا طالب كان [أخمل] أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يشتهر إسلام حمزة والعباس، ويخفى إسلام أبي طالب.

قوله تعالى: { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ } قال مجاهد وأبو صالح وابن جريج: الحق: هو الله تعالى.

والمعنى: لو جعل الله مع نفسه شريكاً كما يُحبّون ويهوون، { لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } ، وهذا المعنى ينظر إلى قوله:لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22].

وقال الفراء والزجاج: يجوز أن يكون المراد بالحق: القرآن، على معنى: لو نزل ما يحبون لفسدت السموات والأرض ومن فيهن.

{ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } أي: بالكتاب الذي هو ذكرهم وشرفهم.

السابقالتالي
2