الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } * { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } * { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } * { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ }

قوله تعالى: { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } الآية تتضمّن الإيذان بأن هذا الذي وصف به عباده المؤمنين غير خارج عن حدّ الوُسع والطاقة، وأن ما عملوه من الأعمال الصالحة [محفوظ] عنده مُثبت في { كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ } وهو اللوح المحفوظ.

وقيل: صحائف الأعمال.

{ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بالنقصان من حسناتهم ولا بالزيادة على سيئاتهم.

ثم عاد إلى الإخبار عن الكفار فقال: { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } أي: في غفلة غامرة لها من هذا الذي وُصِفَ به المؤمنون من أعمال البِرِّ.

وقيل: هذا إشارة إلى الكتاب.

وقيل: إلى القرآن.

{ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ } قال ابن عباس: أعمال سيئة دون الشرك.

وقال مجاهد: خطايا دون الحق.

قال ابن جرير: من دون أعمال المؤمنين وأهل التقوى والخشية.

{ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } وقال الزجاج: أخبر الله تعالى عما سيكون منهم، فأعلم أنهم سيعملون أعمالاً تُباعِدُ من الله تعالى غير الأعمال التي ذكروا بها.

قال الواحدي: وعلى هذا القول إجماع المفسرين وأصحاب المعاني.

قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ } قال الزمخشري: " حتى " هذه التي يبتدأ بها الكلام، والكلام: الجملة الشرطية، والعذاب: قتلهم يوم بدر، أو الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم اشدد وطأتك على مُضَر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " ، فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الجيفَ والكلابَ والعظام المحترقة والقِدَّ والأولاد.

{ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } أي: يضجّون مستغيثين بالله.

{ لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ } على إضمار القول، أي: يقال لهم: لا تجأروا اليوم { إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } أي: إنكم من عذابنا لا تُمنعون.

وقيل: المعنى: إنكم لا تُغاثون ولا تُنصرون من جهتنا.

ثم ذكر السبب المقتضي لذلك فقال: { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } وهذا مَجازٌ عن تأخرهم عن الإيمان.

قوله تعالى: { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } نصب على الحال، والضمير في " به " كناية عن البيت الحرام شرفه الله تعالى في قول عامة المفسرين، وكانوا يفتخرون به ويقولون: نحن أهل الحرم وجوار الله تعالى وسَدَنَةٌ بيته، فلا يظهر علينا أحد، فيكون كناية عن غير مذكور.

قال صاحب الكشاف: والذي سَوَّغَ هذا الإضمار: شهرتهم بالاستكبار بالبيت.

ويجوز أن يرجع الضمير إلى " آياتي " ، إلا أنه ذكّر لأنها في معنى: كتابي.

ومعنى استكبارهم بالقرآن: تكذيبهم به استكباراً.

قوله تعالى: { سَامِراً }: نصب على الحال.

قال ابن قتيبة: أي: يتحدَّثُون ليلاً، والسَّمَرُ: حديث الليل.

قال أبو عبيدة: معناه: تَهْجُرون سُمَّاراً، والسَّامِر بمعنى السُّمَّار، بمنزلة طفل في موضع أطفال.

وفي قراءة ابن مسعود: " سُمَّاراً تهجُرون ".

وقرأ نافع: " تُهْجِرُون " بضم التاء وكسر الجيم، من أهْجَرَ يُهْجِرُ؛ إذا أفْحَشَ في منطقه وهَذَى.

السابقالتالي
2