قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } خائفون وَجِلُون من عذابه. { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } قال ابن عباس: يُصَدِّقُون بالقرآن أنه من عند الله. { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } أي: لا يعبدون معه غيره، ولا يجعلون معه شريكاً. { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ } أي: يعطون ما أعطوا من نفقة أو صدقة، { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } خائفة أن لا يُتقبل منهم. قال مجاهد: المؤمن ينفق ماله وقلبه وَجِل. وقال الحسن: المؤمن جَمَعَ إحساناً وشفقة، والمنافق جمع إساءة وأَمْناً. وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: " يَأتُونَ ما أَتَوْا " بالقصر، من المجيء، وهي قراءة عائشة وابن عباس وقتادة والأعمش. قال الزجاج: كلاهما جيد بالغ. فمن قرأ: " ما آتَوْا " فمعناه: يُعْطُون ما أعطوا وهم يخافون أن لا يتقبل منهم وقلوبهم خائفة؛ لأنهم { إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } أي: إنهم يوقنون بالرجوع إلى الله تعالى. ومن قرأ: " ما أتَوْا " بالقَصْر، أي: يعملون الخيرات وقلوبهم خائفة يخافون أن يكونوا مع اجتهادهم مُقصِّرين. وقد أخرج الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: " يا رسول الله! الذين يؤتون ما أتوا هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا ابنة الصديق، ولكن هم الذين يصومون ويتصدقون ويخافون أن لا يتقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات " وفي هذا الحديث ترجيح لقراءة عائشة رضي الله عنها. ومعنى قوله: { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } يبادرون إلى الأعمال الصالحة رغبة فيها لخوفهم وصحة علمهم برجوعهم إلى من يجازيهم على أعمالهم. ويجوز أن يراد بمسارعتهم في الخيرات: ما أنعم به عليهم في عاجل الدنيا من الإعزاز والإكرام وحسن الثناء بين الناس، كما قال تعالى:{ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [العنكبوت: 27]، وقال الله تعالى:{ فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ } [آل عمران: 148]. قوله تعالى: { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } قال الفراء والزجاج: المعنى: وهم إليها سابقون. وقال الزمخشري: المعنى: فاعلون السبق لأجلها، أو سابقون الناس لأجلها، أو إياها سابقون، أي: ينالونها قبل الآخرة حيث عجّلت لهم في الدنيا، ويجوز أن يكون " لها سابقون " خبراً بعد خبر. ومعنى: " وهم لها " كمعنى قوله: أنتَ لها أحمدُ من بين البَشَر.