قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } وقرأ ابن مسعود: " آيتين ". وقد سبق القول عليه في آخر الأنبياء. { وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ } قرأ ابن عامر وعاصم: " رَبْوَةٍ " بفتح الراء، وضمَّها الباقون. وهكذا اختلافهم في قوله:{ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ } في البقرة [265]، وقد ذكرنا اشتقاقها وما فيها من اللغات ثمَّة. { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } أي: ذات موضع قرار. قال قتادة: ذات ثمار وماء. والمعنى: أنها مستوية منبسطة يستقر عليها ساكنوها، " ومعين ": وهو الماء الجاري على وجه الأرض الظاهر لعين الناظر، ومنه قول جرير:
إن الذين غَدَوْا بليل غَادَرُوا
وَشَلاً بعينِكَ ما يَزالُ مَعينا
قال ابن قتيبة: سُمي معيناً؛ لأنه جارٍ من العين. وقال بعضهم: يجوز أن يكون فعيلاً من [المَعْن]، مشتقاً من الماعون. قال الزجاج: وهذا بعيد؛ لأن المَعْن في اللغة: الشيء القليل، والماعون هو الزكاة، وهو فاعول من المعْن. وإنما سميت الزكاة بالشيء القليل؛ لأنه يؤخذ من المال رُبْعَ عُشْرِه، فهو قليل من كثير. قال الراعي:
قوم على الإسلام لمَّا يَمْنَعُوا
مَاعُونَهم ويُبَدِلُّوا التنزيلا
واختلفوا في موضع هذه الربوة؛ فقال عبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب ومقاتل: دمشق. وقال قتادة وكعب: بيت المقدس. وعن ابن عباس والحسن كالقولين. وقال أبو هريرة والسدي: أرض فلسطين. وقال وهب بن منبه وابن السائب: مصر. والله تعالى أعلم. قال ابن عباس ووهب: كان الملك أراد قتل عيسى عليه السلام ففرّت به أمه. قال ابن عباس: ثم رجعت به إلى أهلها بعد اثنتي عشرة سنة.