الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } * { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } فسّرناه عند قوله في الحِجْر:وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [الحجر: 21].

وقوله: { فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ } مثل قوله:فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ } [الزمر: 21]، وقد جاء في حديث ليس إسناده بالقائم، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل أنزل من الجنة خمسة أنهار: سَيْحُون وهو نهر الهند، وجَيْحُون نهر بلخ، ودجلة والفُرات وهما نهرا العراق، والنِّيل وهو نهر مصر، أنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة [من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل]، فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع في أصناف معايشهم، فذلك قوله: { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ } فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله تعالى جبريل فرفع من الأرض القرآن، والعلم كله، والحجر الأسود من ركن البيت، ومقام إبراهيم، وتابوت موسى [بما فيه]، وهذه الأنهار الخمسة، يرفع ذلك كله إلى السماء، فذلك قوله: { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } ، فإذا رُفعت هذه الأشياء من الأرض فَقَدَ أهلها خير الدين والدنيا "

قوله تعالى: { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ } أي: بالماء { جَنَّاتٍ } بساتين { مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ }.

ثم بيَّنَ أن ثمرهما جامع بين أمرين:

أحدهما: أنه فاكهة يُتَفَكَّهُ بها.

والثاني: أنه طعام يؤكل، فذلك قوله تعالى: { لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ } ، يعني: تتفكَّهون بها رَطْبَة، { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } يعني: يابسة.

قوله تعالى: { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ } يريد: الزيتون.

خَصَّ الله سبحانه وتعالى هذه الأنواع الثلاثة، وهي النخيل والأعناب والزيتون بالذِّكْر في معرض الامتنان على عباده وتذكيرهم بنعمه؛ لأنها أكرم الشجر وأفضلها وأجمعها للمنافع.

واختلف القُرَّاء في " سيناء "؛ فقرأ ابن عامر وأهل الكوفة بفتح السين، والباقون بكسرها.

وقرأ الأعمش: " سِيْنى " بالقصر.

قال أبو علي: لا تنصرف هذه الكلمة؛ لأنها جعلت اسماً لبقعة أو أرض، ولو كانت اسماً للمكان أو للمنزل أو نحو ذلك من الأسماء المذكّرة لصُرِفَت؛ لأنك كنت قد سمّيت مذكراً بمذكر.

قال الضحاك: " الطور ": الجبل بالسريانية، و " سَيْنَاء ": الحَسَن بالنبطية.

وقال عطاء: يريد: الجبل الحَسَن.

وقال ابن السائب: يريد: الجبل المُشْجِر.

وقوله راجع إلى معنى الذي قبله؛ لأنه بالشجر صار حَسَناً.

قال ابن زيد: هو الجبل الذي نودي منه موسى، وهو بين مصر وأيْلَة.

قوله تعالى: { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو: " تُنبِتُ " بضم التاء وكسر الباء، وقرأ الباقون بفتح التاء.

قال الفراء: هما لغتان، يقال: نبتت وأنبتت، وأنشد الزجاج قول زهير:
رأيتُ ذوي الحاجاتِ حَوْلَ بُيوتهم     قَطِيناً لهم حتى إذا أنبتَ البَقْل

السابقالتالي
2